فهذا النوع من القسوة العلمية، والجفاف الفكري سيُحدث فوضى، تتزلزل بها أركان الدين، ويتورط المسلمون في اضطراب قد أغناهم الله عنه.
وليس اتفاق الأمة وعلمائها على أصحية البخاري وفضله على سائر الكتب مجرد اتفاق ومصادفة، ولا عن تواطؤ ومؤامرة، وقد أعاذ الله هذه الأمة التي اختارها لحمل دينه، وتبليغ رسالته من أن تكون فريسة غفلة، أو أن تجتمع على الضلال، بل كان ذلك إلهامًا من الله، ومكافأة على ما قام به مؤلف الكتاب من جهاد في سبيل حفظه للأحاديث النبوية، ثم تحقيقها، وتنقيحها، ومعرفة رجالها ورواتها، وكشف أستار الكذابين والوضاعين، وتمييز الضعفاء والمجروحين، ثم في نقلها ونشرها في الآفاق، وجمعها في مجموعة مهذبة منقحة بحسب الطاقة البشرية.
ولذلك يقول الحافظ ابن دقيق العيد في مقدمة كتابه «الاقتراح في فن الاصطلاح» وهو يذكر طرق توثيق الرواة:
ومنها: تخريج الشيخين أو أحدهما في الصحيح للراوي، محتجين به.
وهذه درجة عالية، لما فيها من الزيادة على الأول، وهو إطباق جمهور الأُمَّةِ أو كلها على تسمية الكتابين بالصحيحين، والرجوع إلى حكم الشيخين بالصحة.
وهذا معنى لم يحصل لغير من خُرِّج عنه في الصحيح، فهو بمنزلة إطباق الأمة، أو أكثرها على تعديل من ذكر فيهما، وقد وجد فيها هؤلاء الرجال المخرج عنهم في الصحيح من تكلَّم فيه بعضهم.
وكان شيخ شيوخنا الحافظ أبو الحسن المَقْدِسي (?) يقول في الرجل الذي يُخَرَّج عنه في الصحيح: هذا جاز القَنْطَرَةَ. يعني بذلك أنه لا يُلتفتُ إلى ما قيل