فالنهي إنما جاء مشروطاً ومقيداً وهو كونه مضاعفاً أضعافاً كثيرة، فإذا لم يكن كذلك، وكانت النسبة فيه يسيرة فلا وجه لتحريمه.
وللجواب على ذلك نقوله:
أولاً: إن قوله تعالى: {أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130] ليس قيداً ولا شرطاً، وإنما هو لبيان الواقع الذي كان التعامل عليه أيام الجاهلية، كما يتضح من سبب النزول، وللتشنيع عليهم بأنّ في هذه المعاملة ظلماً صارخاً وعدواناً مبيناً، حيث كانوا يأخذون الربا مضاعفاً أضعافاً كثيرة.
ثانياً: إن المسلمين قد أجمعوا على تحريم الربا قليله وكثيره، فهذا القول يعتبر خروجاً على الإجماع كما لا يخلو عن جهلٍ بأصول الشريعة الغراء، فإن قليل الربا يدعو إلى كثيره، فالإسلام حين يحرّم الشيء يحرّمه (كلياً) أخذاً بقاعدة (سدّ الذرائع) لأنه لو أباح القليل منه لجرّ ذلك إلى الكثير منه، والربا كالخمر في الحرمة فهل يقول مسلم عاقل إن القليل من الخمر حلال؟
ثالثاً: نقول لهؤلاء الجهلة (من أنصاف المتعلمين) : «أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ؟ فلماذا تحتجون بهذه الآية على دعواكم الباطلة، ولا تقرؤون قوله تعالى: {وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الرباوا} وقوله تعالى: {اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرباوا} وقوله تعالى: {يَمْحَقُ الله الرباوا وَيُرْبِي الصدقات} هل في هذه الآيات ما يقيد الربا بالقليل أو الكثير أم اللفظ مطلق؟ وكذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في حديث جابر» لعن رسول الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء «فالربا محرم بجميع أنواعه بالنصوص القطعية، والقليل والكثير في الحرمة سواء. وصدق الله حيث يقول: {يَمْحَقُ الله الرباوا وَيُرْبِي الصدقات والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} .