لأنها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة، وأصل البتل: القطع، ويقال للراهب (متبتّل) لانقطاعه عن الناس، وانفراده بالعبادة قال امرؤ القيس:

تضيءُ الظّلامَ بالعشَاء كأنها ... مَنَارة مُمْسى راهبٍ متبتّل

{هَجْراً جَمِيلاً} : أي لا تتعرض لهم، وجانبهم ولا تقابلهم بمثل إساءتهم.

المعنى الإجمالي

يقول الله تعالى ما معناه مخاطباً نبيّه الكريم: يا أيها المتزمّل المتلفّف في ثيابه، قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، قم للجهد والنصب، والكدّ والتعب، فقد مضى وقت الراحة، قم فشمّر عن ساعد الجد، وأحي الليل كلّه أو نصفه أو أقل قليلاً، بالصلاة والتضرع، والعبادة والتخشع، لتستعد لنفحاتنا القدسيّة، لأننا سنوحي إليك بهذا القرآن العظيم، الثقيل في الوزن العظيم في الأجر، الرصين في الجزالة والتعبير، فاقرأه بتدبر وتبصر في قيامك بالليل، ورتّله على مهل بخشوع وإنابة فإن قيام الليل بالصلاة، وقضاء ساعاته في الطاعة، أشدّ ثقلاً على النفس، وأرجى للقبول عند الله.

ولك يا محمد في النهار تقلباً طويلاً من مهامّك، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك، واذكر اسم ربك لتستمدّ قوّتك منه، وانقطع لعبادته ولا تتوجّه لأحد سواه، فهو الناصر والمعين، وهو رب العزّة، ذو الجلال والإكرام الذي لا يخيب من التجأ إليه، فاجعله وكيلاً لك في جميع الأمور.

واصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، وعن صدودهم وإعراضهم عن دعوتك، ولا تتعرضّ لهم ولا تقابلهم بمثل إساءتهم، واهجرهم بالحسنى حتى يجعل الله لك من أمرك فرجاً ومخرجاً، بالنصر عليهم ونصر الله قريب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015