اللطيفة الثالثة: قال ابن منظور: كانت العرب تطلّق النساء في الجاهلية بهذه الكلمة (أنت عليّ كظهر أمي) وإنما خصّوا (الظَّهر) دون البطن، والفخذ، والفرج - وهذه أولى بالتحريم - لأنّ الظهر موضع الركوب، والمرأة مركوبة إذا غشيت، فكأنه أراد أنْ يقول: ركوُبك للنكاح عليّ حرام كركوب أمّي للنكاح، فأقام الظهر مقام الركوب، وهذا من لطيف الاستعارات للكناية.
وقال الفخر الرازي: ليس الظهار مأخوذاً من الظهر الذي هو عضو من الجسد، لأنه ليس الظهر أولى بالذكر في هذا الموضع من سائر الأعضاء، التي هي مواضع المباضعة والتلذذ، بل الظهر هاهنا مأخوذ من العلو ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] أي يعلوه، وكلّ من علا شيئاً فقد ظهره، ومنه سُمّي المركوب ظهراً لأنَّ راكبَه يعلوه، وكذا امرأة الرجل ظهره لأنه يعلوها بملك البضع، فكأن امرأة الرجل مركوب للرجل وظهر له.
ويدل على صحة هذا المعنى أن العرب تقول في الطلاق: نزلت عن امرأتي أي طلَّقتُها، وفي قولهم: أنتِ عليّ كظهر أمي (حذف وإضمار) لأن تأويله: ظهرك عليّ أيملكي إيّاك، وعلوّي عليك حرام، كما أنّ علوّي على أمي وملكها حرام عليّ.
اللطيفة الرابعة: المظاهِر شبّه الزوجة بالأم، ولم يقل هي أم، فكيف كان ذلك منكراً وزوراً؟
قال الإمام الفخر في الجواب عن ذلك: إن الكذب إنما لزم لأن قوله: (أنتِ عليّ كظهر أمي) إمّ أن يكون إخباراً، أو إنشاءً.
فعلى الأولى: إنه كذب لأن الزوجة محلّلة، والأم محرمة، وتشبيه المحلّلة بالمحرمة في وصف الحل والحرمة كذب.