فكأن الله تعالى يقول: استرشدوا بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإن يعلم ولا يطيع أحداً، فلا يوجد فيه حيف، ولا يروج عليه زيف، لأنه لا يعتمد على كثير من آرائكم التي تبدونها، وإنما يعتمد على الوحي الذي يأتيه من عند الله.
اللطيفة الخامسة: صيغة المضارع تفيد (الاستمرار والتجدّد) بخلاف الماضي، فالعدول عن الماضي إلى المضارع في قوله تعالى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ} ليفيد هذا المعنى على أنهم كانوا يريدون إطاعة الرسول لهم إطاعة مستمرة بدليل قوله تعالى: {فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر} وذلك أن صيغة المضارع تفيد التجدد والاستمرار، تقول: فلانَ يقري الضيف، ويحمي الحريم، تريد أن ذلك شأنه وأنه مستمر على ذلك.
قال العلامة الألوسي: «وفي هذا التعبير {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ} مبالغات من أوجه:
أحدها: إيثار (لو) ليدلّ على الفرض والتقدير.
والثاني: ما في العدول إلى المضارع من إرادة استمرار ما حقه أن يفرض للتهجين والتوبيخ.
والثالث: ما في لفظ (العنت) من الدلالة على أشدّ المحذورة، فإنه الكسر بعد الجبر.
والرابع: ما في الخطاب، والجدير به غير (الكُمّل) ليكون أردع لمرتكبه وأزجر.
وكأنّ الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ولا تكونوا أمثال هؤلاء الذين استفزهم النبأ قبل التعرف على صدقه، ثم لم يكتفوا حتى أرادوا أن يحملوا الرسول على رأيهم، ليوقعوا أنفسهم ويوقعوا غيرهم في العنت والإرهاق، واعلموا جلالة قدر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتفادّوْا