الإخلال به. أفاده العلامة أبو السعود.
اللطيفة الثالثة: قوله تعالى {إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} في هذا التعبير إشارة لطيفة إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون حذراً يقظاً، لا يقبل كلّ كلام يلقى على عواهنه، دون أن يعرف المصدر، وتنكير (فاسق) للتعميم، لأنه نكرة في سياق الشرط، وهي كالنكرة في سياق النفي تفيد العموم كما قرّره علماء الأصول، والمعنى إن جاءكم أيّ فاسق فتثبتوا من خبره، وجاء بحرف التشكيك (إن) ولم يقل (إذا) التي تفيد التحقيق، ليشير إلى أنّ وقوع مثل هذا إنما هو على سبيل (النّدرة) إذْ الأصل في المؤمن أن يكون صادقاً ولمَّا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأصحابه بالمنزلة التي لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب، وما كان يقع مثل ما فرط من (الوليد بن عقبة) إلاّ في النّدرة قيل: {إِن جَآءَكُمْ} بحرف الشك. فتدبر أسرار الكتاب العزيز.
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله} تقديم خبر أنّ على اسمها ليفيد معنى الحصر، المستتبع لزيادة التوبيخ لهم على ما فرط منهم في حقّ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وفي الكلام إشعار بأنّهم زيّنوا بين يدي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الايقاع بالحارث وقومه، وقد أريد أن ينعى عليهم ذلك بتنزيلهم منزلة من لا يعلم أنه عليه السلام بين أظهرهم.
قال الإمام الفخر رَحِمَهُ اللَّهُ: «والذي اختاره وكأنه هو الأقوى أن الله تعالى لما قال: {ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا} أي فتثبّتوا واكشفوا قال بعده: {واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله} .
أي الكشفُ سهل عليكم بالرجوع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فإنه فيكم مبيّن مرشد، وهذا كما قال القائل عند اختلاف تلاميذ شيخٍ في مسألة، هذا الشيخ قاعد. . لا يريد به بيان قعوده، وإنما يريد أمرهم بالرجوع إليه.