لا والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته، ولا أتاني، فلما دخل الحارث على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلتُ إلاّ حين احتبس عليّ رسولُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، خشية من أن تكون سخطة من الله ورسوله عليّ، فنزلت الآية: {ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا} .
قال الإمام الفخر: ما ذكره المفسّرون من أنها نزلت بسبب (الوليد بن عقبة) حين بعثه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى بني المصطلق ليقبض صدقاتهم ... الخ إن كان مرادهم أن الآية نزلت عامة لبيان وجوب التثبت في خبر الفاسق، وأنها نزلت في ذلك الحين الذي وقعت فيه حادثة الوليد فهذا جيد، وإن كان غرضهم أنها نزلت لهذه الحادثة بالذات فهذا ضعيف، لأن الوليد لم يتقصّد الإساءة إليهم، ورواية الإمام أحمد تدل على أنّ الوليد خاف وفَرق حين رأى جماعة الحارث - وقد خرجت في انتظاره - فظنّها خرجت لحربة فرجع وأخبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما أخبره ظناً منه أنهم خرجوا لقتاله.
يقول الإمام الفخر: «ويدل على ضعف قول من يقول إنها نزلت لكذا أن الله تعالى لم يقل: إني أنزلتها لكذا والنبي عليه السلام لم ينقل عنه أنه بيّن أن الآية وردت لبيان ذلك فحسب، غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت وهو مثل التاريخ لنزول الآية، ويتأكد ما ذكرنا أن اطلاق لفظ (الفاسق) على الوليد شيء بعيد، لأنه توهّم وظنّ فأخطأ، والمخطئ لا يسمى فاسقاً، وكيف والفاسق في أكثر المواضع المرادُ به من خرج من ربقة الإيمان لقوله تعالى:
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} [المنافقون: 6] وقوله تعالى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] وقوله تعالى: {وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار} [السجدة: 20] إلى غير ذلك.