تغتسل منه وتشرب فتشفى بإذن الله، فلما ضرب الأرض نبعث له عين ماء، فاغتسل منها فذهب الداء من ظاهره، ثم شرب منها فذهب الداء من باطنه، فعادت إليه الحياة الطبيعية التي كان يعيشها، وشعر بأهله وأولاده، ونعم بأسرته التي كانت بالنسبة إليه كالمفقودة، ومتّعه الله بصحته وقواه حتى كثر نسله وتضاعف عدد أولاده، ورزقه من الأموال فضلاً منه ونعمة، وإكراماً لعبده الصابر الطائع، وتذكيراً لعباد الله بفضل الله وإكرامه لأنهم إذا ذكروا بلاء أيوب - وهو أفضل أهل زمانه - وطّنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا ومصائبها، واللجوء إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ّ فيما يحيق بهم كما لجأ أيوب ليفعل الله بهم ما فعل به من حسن العاقبة، وعظيم الإكرام.
وما كان الله - جلت حكمته - ليكرمه ويدع زوجه التي أحسنت إليه، وأعانته في بلائه ومحنته، وكان قد حلف لأمر فعلته ليضربنها مائة جلدة، فجزاها الله بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها تسهيلاً عليه وعليها فأمره أن يجمع لها (مائة عود) ويضربها ضربة واحدة، لا يحنث في يمينه.
ثم شهد الله تعالى لأيوب عليه السلام شهادة تبقى على مر الأزمان، مظهره أنه كان في بلائه صابراً، لا تحمله الشدة على الخروج عن طاعة ربه، والدخول في معصيته، فكان من خيره خلق الله وعبّاده، مقبلاً على طاعته، رجَّاعاً إلى رضاه، فلم يكن دعاؤه عن تذمر وشكوى، وإنما كان لجوءاً إلى الله العليّ القدير الذي بيده مقاليد السموات والأرض.
الغرض من ذكر القصة
المقصود من ذكر قصة (أيوب) عليه السلام، وما قبلها من قصص الأنبياء الاعتبار بما يقع في هذه الحياة، كأنّ الله تعالى يقول: يا محمد، إصبر على سفاهة قومك، وشدتهم في معاملتك، ومقابلة دعوتك بالصدود والإعراض، فإنه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالاً وجاهاً من (داود) و (سليمان)