جلسنا في منزله وقدم بعض الناس يعزون، وأنا لا زلت غير قادر على الإفاقة من صدمة المواجهة.
عدت للرياض، ومكثت ليالي وصورته لا تفارق ناظري، وأعيد تذكّر كل كلمة قالها حين كان في ضيافتي يوم الأربعاء الذي سبق وفاته. بل وكنت أدخل مجلس منزلي، وأشاهد الزاوية التي افترشها ونام فيها، وأشكو بثي وحزني إلى الله، وأكظم أزيزاً في داخلي ما استطعت.
مررت بحوادث ووفيات كثيرة، لكن لأول مرة يهجم علي الإحساس بقرب الموت ودنو الأجل بمثل هذه الصورة ..
لما كنت في منزل ذويه والمعزّون يقدمون عليهم كنت أطالع وجوه الناس، وأنظر لنفسي بينهم وأقول: كلنا قدمنا للعزاء، وغالبنا يظن أن المصيبة مصيبة غيره، وننسى أن هناك ساعة سجلت لكل واحد منا سيغادر فيها هذه الحياة، وسيغسّل، ويوضع في كفنه، ويوسد لحده، وتصف اللبنات فوقه، ويهال عليه التراب، وينصرف الناس عنه.