مَعْذُورًا فِيهِ؛ فَلِأَنْ لَا يَلْحَقَ الْفَاعِلَ وَعِيدُ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَكَمَا لَمْ يَلْزَمْ دُخُولُ الْمُجْتَهِدِ تَحْتَ حُكْمِ هَذَا التَّحْرِيمِ -مِنْ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ- لَمْ يَلْزَمْ دُخُولُهُ تَحْتَ حُكْمِهِ مِنْ الْوَعِيدِ؛ إذْ لَيْسَ الْوَعِيدُ إلَّا نَوْعًا مِنْ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ, فَإِنْ جَاز دُخُولُهُ تَحْتَ هَذَا الْجِنْسِ, فَمَا كَانَ الْجَوَابُ عَنْ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ, كَانَ جَوَابًا عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ.
وَلَا يُغْنِي الْفَرْقُ بِقِلَّةِ الذَّمِّ وَكَثْرَتِهِ؛ أَوْ شِدَّةِ الْعُقُوبَةِ وَخِفَّتِهَا؛ فَإِنَّ الْمَحْذُورَ فِي قَلِيلِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَالْمَحْذُورِ فِي كَثِيرِهِ, فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَلْحَقُهُ قَلِيلُ ذَلِكَ وَلَا كَثِيرُهُ, بَلْ يَلْحَقُهُ ضِدُّ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ.
الثَّانِي: أَنَّ كَوْنَ حُكْمِ الْفِعْلِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ, أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ, أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْفِعْلِ وَصِفَاتِهِ, وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ إضَافِيَّةٌ بِحَسَبِ مَا عَرَضَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ.
وَاللَّفْظُ الْعَامُّ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ, فَلَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ, إمَّا مُقْتَرِنٍ بِالْخِطَابِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ, وَإِمَّا مُوَسِّعٍ فِي تَأْخِيرِهِ إلَى حِينِ الْحَاجَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِ الْخِطَابِ, فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ فِي لَعْنَةِ آكِلِ الرِّبَا وَالْمُحَلِّلِ