صفحة فارغة
هَامِش
فَإِن قلت: الْجَدِيد فِيمَن صلى ثمَّ أعَاد فِي جمَاعَة أَن الأولى للْفَرض، وَالْقَدِيم إِحْدَاهمَا لَا بِعَينهَا، وَفِي وَجه هما جَمِيعًا يقعان على الْفَرْض، وَمُقْتَضى مَا فرقت بِهِ بَين هذَيْن الفرعين أَن يكون هَذَا الْوَجْه هُوَ الْأَصَح؛ لِأَن مصلحَة الخضوع تَتَكَرَّر بِتَكَرُّر الْفِعْل.
قلت: المُرَاد تعدد الفاعلين لَا تكْرَار أفعالهم، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ الْإِعَادَة على الْمُصَلِّي، وَلَا يتناهى ذَلِك، بل إِذا أعَاد كَانَ حسنا، وَقد يُوصف فعله بالفريضة، ولاشتماله على الْمصلحَة الَّتِي من أجلهَا جعل أصل الْفِعْل فرضا، وَقد لَا يُوصف، لعدم الْعقَاب على تَركه، وَقَائِل هَذَا الْوَجْه لم يقل: إِنَّهَا فرض، بل [قَالَ: يَقع] عَن الْفَرْض وَلَا بعد فِيهِ، لما ذكرنَا.
وَمن هُنَا يعلم أَن الْمَقْصُود فِي فرض الْعين الفاعلون وأفعالهم بطرِيق الْأَصَالَة، وَفِي فرض الْكِفَايَة الْفَرْض: وُقُوع الْفِعْل من غير نظر إِلَى فَاعله، وَهَذَا معنى قَول الْغَزالِيّ: إِنَّه كل مُهِمّ ديني يُرَاد حُصُوله، وَلَا يقْصد عين من يَتَوَلَّاهُ، كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ. وَبِهَذَا يتَرَجَّح عنْدك أَنه لَا يجب على الْكل؛ لِأَن الفاعلين لَا نظر إِلَيْهِم فِيهِ بِالذَّاتِ.
بل [لضَرُورَة) ] الْوَاقِع؛ إِذْ لَا يَقع الْفِعْل إِلَّا من فَاعل، فَمَا بالنا نجعله مُتَعَلقا بِالْكُلِّ وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك، وملاقاة الْوُجُوب للْبَعْض مُمكنَة بِالْمَعْنَى الَّذِي أسلفناه.
وَلَو أَن غريقا قذفه الْحُوت إِلَى شاطئ الْبَحْر فيحيا، أَو جائعا قدر الله لَهُ الشِّبَع بِدُونِ أكل، فَيحْتَمل أَن يُقَال: بالتأثيم؛ لعصيان الْكل بالجرأة على الله تَعَالَى.
وَالْأَظْهَر: أَنه لَا يَأْثَم أحد لحُصُول الْمَقْصُود.
فَإِن قلت: كَيفَ يستحبون صَلَاة الْجِنَازَة لمن لم يصلها مَعَ حُصُول الْفَرْض بِالصَّلَاةِ أَولا.
قلت: الْفَرْض بِالذَّاتِ من صَلَاة الْجِنَازَة انْتِفَاع الْمَيِّت وَالدُّعَاء سَبَب، فَمَا لم يتَحَقَّق الِانْتِفَاع يسْتَحبّ الصَّلَاة؛ إِذْ يحْتَمل أَن الله لم يستجب دُعَاء الْأَوَّلين، وَإِنَّمَا لم [توجب] إِعَادَة الصَّلَاة لِئَلَّا [يُوجب] مَا لَا يتناهى، إِذْ لسنا على يَقِين من الاستجابة فِي وَاحِدَة من الصَّلَوَات، وَأَيْضًا فالاستجابة لَيست فِي قدرتنا، والتوصل إِلَيْهَا مرّة وَاجِب، وَبِمَا زَاد [مُسْتَحبّ] .