وَالثَّانِي مُلْتَزم إِن أُرِيد [بِهِ] التَّحْرِيم الشَّرْعِيّ.

هَامِش الالتباس إِنَّمَا يلْزم بِتَقْدِير الْوُقُوع، وَلَا يلْزم من حسن الشَّيْء وُقُوعه، بل قد يمْتَنع عَادَة.

" وَالثَّانِي " وَهُوَ الْكَذِب، والتثليث إِلَى آخر مَا ذَكرُوهُ " مُلْتَزم " عدم التَّحْرِيم فِيهِ " إِن أُرِيد بِالتَّحْرِيمِ التَّحْرِيم الشَّرْعِيّ "؛ إِذْ لَا تَحْرِيم قبل وُرُود الشَّرْع على أصولنا.

وَمِنْهُم من يَسْتَثْنِي الْمعرفَة وَيَقُول: لَا توجب الْعُقُول سواهَا، فعلى هَذَا إِيرَاد أَنْوَاع الْكفْر إِيرَاد مَا هُوَ من غير مَحل النزاع.

وَالْحق أَن الْعُقُول لَا توجب شَيْئا أَلْبَتَّة، وَمن ترهات الْقَوْم قَوْلهم: لَو لم تجب الْمعرفَة بِالْعقلِ لجَاز وُرُود الشَّرْع بإسقاطها، وَهَذَا من فن الهذيان؛ إِذْ التَّكْلِيف بِالْجَهْلِ مُسْتَحِيل، فَإِنَّهُ فرع معرفتك من كلفك، وَهُوَ تنَاقض، ثمَّ قد أخبر الله بِأَنَّهُ لَا يَأْمر بالفحشاء، وتأخيره الْقَائِلين بالعقول، وخيبتهم فَمَا هم وَالله بأعقل من قدماء الفلاسفة، وَلَا أَكثر رياضة مِنْهُم، وَقد وَقَعُوا فِي الْكفْر بركونهم إِلَى عُقُولهمْ، واعتقد كثير مِنْهُم خَمْسَة قدماء، وَكثير مِنْهُم اثْنَيْنِ.

فَلْينْظر النَّاظر إِلَى أَي شَيْء صَار أَمرهم، وانتهت حَالهم، والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: عقول عَامَّة النَّاس مغمورة بالهوى، مَكْفُوفَة عَن بُلُوغ الْغَايَة بالميل الطبعي، وَلِهَذَا وَقع أَكثر الْعُقَلَاء فِي مهاوي الْحيرَة، ولحقتهم من الدهش والتردد مَا لَا غَايَة وَرَاءه.

قَالُوا: وَدَلِيل هَذَا أَنا لم نجد أحدا غَادَرَهُ الله وعقله خلي، بل أنزل الْكتب وَأرْسل الرُّسُل، وَلَو اسْتَقل الْعقل بِشَيْء لَكَانَ بالحري إِن وجد وَاحِد خلي وعقله من غير أَن يدْخل تَحت ربقة أحد من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.

معَاذ الله أَن يكون ذَلِك، فليتق الْمَرْء ربه، وليق نَفسه [وَلَا يدْخل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ، وليتبع الْوَحْي النَّبَوِيّ، وليلتمس التأييد الإلهي، وَلَا يغتر بزخارف من القَوْل، وأباطيل من البهت، فَإِنَّهَا خدع الشَّيْطَان وتسويلات النَّفس، وخذلان من الله - تَعَالَى - يلْحق العَبْد، وَلَا عُقُوبَة من الله أعظم من أَن يكل العَبْد إِلَى نَفسه] ، ويدعه وَحَوله وقوته، ويخليه ورأيه وعقله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015