صفحة فارغة
هَامِش وَمِائَتَيْنِ - قبل الشَّافِعِي بِسنة - والأشعري مَاتَ بعد الْعشْرين وثلثمائة.
فَإِن قلت: وَأي برهَان قَامَ على إبِْطَال الْقدر والجبر.
قلت: هَذَا الْآن من فن الْكَلَام، وإدخاله فِي الْأُصُول فضول، وَنحن نشِير إِلَى زبدة القَوْل فِيهِ فَنَقُول: قد تقرر عِنْد كل ذِي لب أَن الرب - تَعَالَى - مطَالب عباده بأعمالهم فِي حَالهم، ومثيبهم ويعاقبهم عَلَيْهَا فِي مآلهم، وَتبين بالنصوص المترقبة عَن دَرَجَات التَّأْوِيل أَنهم من الْوَفَاء بِمَا كلفوه بسبيل.
وَمن نظر فِي كليات الشَّرَائِع، وَمَا فِيهَا من الاستحثاث على المكرمات والزواجر عَن الموبقات، وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من وعد الطائعين بالزلفى، ووعيد العاصين بِسوء المنقلب، وَمَا تضمنه قَوْله تَعَالَى: تعديتم وعصيتم وَأَبَيْتُمْ، وَقد أرخيت لكم الطول وفسحت لكم الْمهل؛ فَأرْسلت الرُّسُل وأوضحت السبل لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة، وأحاط بذلك كُله، ثمَّ استراب فِي أَن القَوْل بالجبر بَاطِل فَهُوَ مصاب فِي عقله، أَو ملقى من التَّقْلِيد فِي وهدة من جَهله.
فَإِن أَخذ الجبري يَقُول: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} [سُورَة الْأَنْبِيَاء: الْآيَة 23] .
قيل لَهُ: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، نعم يفعل الله مَا يَشَاء، وَيحكم مَا يُرِيد، وَلَكِن يتقدس عَن الْخلف ونقيض الصدْق، وَقد فهمنا بضرورات الْعُقُول من الشَّرْع الْمَنْقُول أَنه عزت قدرته طَالب عباده بِمَا أخبر أَنهم متمكنون من الْوَفَاء بِهِ، فَلم يكلفهم إِلَّا على مبلغ الطَّاقَة والوسع، فقد لَاحَ إبِْطَال القَوْل بالجبر.
وأسفه مِنْهُ القَوْل بِخلق الْأَفْعَال، فَإِن فِيهِ مروقا عَمَّا درج عَلَيْهِ الْأَولونَ، واقتحام ورطات الضلال، وَلُزُوم حُدُوث الْفِعْل الْوَاحِد بقادرين، ومداناة القَوْل بِشريك الْبَارِي، فَلَقَد أجمع الْمُسلمُونَ قاطبة قبل ظُهُور الْبدع والآراء، واجتماع أَصْحَاب الْأَهْوَاء على أَنه لَا خَالق إِلَّا الله، وفاهوا بِهِ كَمَا فاهوا بقَوْلهمْ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وبمدح الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آي من الْكتاب بقوله: {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} [سُورَة النَّحْل: الْآيَة 17] . {هَل من خَالق غير الله} [سُورَة فاطر: الْآيَة 3] . {وَخلق كل شَيْء} [سُورَة الْأَنْعَام: الْآيَة 101] ، فَلَا يشك لَبِيب أَن [من] وصف نَفسه بِكَوْنِهِ خَالِقًا