ونشأ عَلَى طريق الوعاظ، واشتغل بالأدب فمهر ونظم الشعر الحسن، فكان يقص ببعض المجامع، ويجمع لَهُ مَا ينفقه عَلَى عياله، فاشتهر بَيْنَ العوام والجند، وَكَانَ حسن التأَتِّي، بهج الهيئة، جميل الشكل والقامة.

وولي الخطابة بالمدرسة الناصرية الحسنية بالرميلة، وحَسُن اعتقاد الناس فِيهِ، فصار يتعفف عن الَّذِي يحصل من الجباية فِي مجالس الوعظ ويفرق ذَلِكَ عَلَى الفقراء، فعظم قدره، واشتهر صيته، فاتفق أن الظاهر تغير عَلَى القاضي بدر الدين ابن أبي البقاء فالتمس من حاشيته من يصلح للقضاء، فذكروا لَهُ جماعة منهم الشيخ ناصر الدين المذكور. وَكَانَ حينئذ كثير التقشف ولبس الصوف الخشن والثياب البيض والطيلسان اللطيف، فاستدعاه الظاهر وفوض القضاء وخلع عَلَيْهِ ونزل معه جمع كثير من الأمراء والأعيان وسكن بحارة برجوان.

وساق القضاء بحرمة ومهابة، ولبس الملابس الفاخرة، والفُرش الهائلة، والخيل المسومة، حَتَّى صار فِي إصطبله نحو العشرين رأساً من الخيل والغزلان والنعام، وتشبه بأهل الدولة فِي استخدام البابا والفراش وغيرهما حَتَّى الشربدار، وأفرط فِي التقعير فِي أقواله وأفعاله.

وادعى أنه شرح مختصر المزني، فكان يدفع كراساً بخطه لمن يقرأ عَلَيْهِ فيضحك كل من يحضر من آحاد الطلبة، وجمع من الخلو من معرفة الأحكام والفقه جملة، إِلَى التعاظم المفرط والدعاوى الزائدة، والتف عَلَيْهِ قوم لأخلاق لهم فصاروا يحسنون أقواله وأفعاله.

ويقال لَهُ: إنه لَنَا حضر عند الملك الظاهر كَانَ عَلَيْهِ طيلسان صوف يساوي ديناراً، فلما تولى وحر الموكب كَانَ عَلَيْهِ ثياب تساوي ثلاثين ديناراً، فقال الظاهر لمن كَانَ سعى لَهُ عنده وأشار بطلب الطيلسان الصوف منه للتبرك ففعل: انظر الرجل الصالح كَيْفَ أمالته الدنيا بسرعة!.

ويحكى عن ابن ميلق أن رجلاً ولدت امرأته وهو مُقِلٌّ، فجاء إِلَيْهِ يلتمس منه شيئاً يعمل بِهِ لَهَا عصيدة فلم يسمح لَهُ بشيء، فخرج الرجل فرأى بَطْرِيك النصارى وَكَانَ يعرفه فسلم عَلَيْهِ، وشكى إِلَيْهِ ضرورته، فقال: تعال معي عَلَى الفتوح فجلس عنده، فجاءه عسل ودقيق وشمع فدفعه لَهُ كله فحمله، وجاء بالحمال إِلَى باب القاضي فقال لَهُ: ردَدْتَنِي خائباً وأنت قاضي المسلمين! ففتح الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015