مَبْسُوط فِي كتبهمْ ومؤلفاتهم ثمَّ أَتَى الْغَزالِيّ والخطابي وَابْن عبد السَّلَام وَابْن الْقيم وأمثالهم - شكر الله مساعيهم - بنكت لَطِيفَة وتحقيقات شريفة ومعانٍ بديعة.
بعد هَذَا يُمكن أَن نقُول ونقرر باطمئنان: أَن أَحْكَام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَبْنِيَّة على تَحْقِيق مصَالح الْعباد، وَأَن هَذِه الْمصَالح يجوز التساؤل عَنْهَا، كَمَا يجوز الْبَحْث عَنْهَا بِكُل مَا أوتينا من وَسَائِل الْعلم والمعرفة والبحث، وَقد أمرنَا الله بِالنّظرِ والتفكر والتدبر، سَوَاء فِي دينه وشريعته أَو فِي خلقه وَكَونه، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} 1 وَقَالَ: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 2 وَقَالَ جلّ وَعلا عَن عباده الَّذين وَصفهم بـ {أُولِي الأَلْبَابِ} أَنهم: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 3.
فَلَا بُد من التساؤل والبحث - مَا أمكن - عَن هَذِه الْمصَالح الَّتِي تنطوي عَلَيْهَا الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة لنفهمها ولنطبقها فِي ضوء مصالحها ولنهتدي بِمَعْرِِفَة تِلْكَ الْمصَالح فِيمَا لم ينص عَلَيْهِ، يَقُول الْعَلامَة ابْن عاشور: "وَجُمْلَة القَوْل: أَن لنا الْيَقِين بِأَن أَحْكَام الشَّرِيعَة كلهَا مُشْتَمِلَة على مَقَاصِد، وَهِي حكم ومصالح وَمَنَافع، وَلذَلِك كَانَ الْوَاجِب على عُلَمَائِنَا تعرف علل التشريع ومقاصده ظَاهرهَا وخفيها"4.