غمرة الحماس للنصوص الْجُزْئِيَّة، وَلَا الْعَكْس، بل ربطوا الجزئيات بالكليات وَالْفُرُوع بالأصول، وَالْأَحْكَام بالمقاصد1.
فَهَذَا معَاذ - رَضِي الله عَنهُ - أرْسلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن معلما وقاضياً وَأمره أَن يَأْخُذ الزَّكَاة من أغنيائهم ليردها إِلَى فقرائهم، حَيْثُ قَالَ لَهُ: "وأعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم الصَّدَقَة فِي أَمْوَالهم، تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم وَإِيَّاك وكرائم أَمْوَالهم، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فانه لَيْسَ بَينهَا وَبَين الله حجاب" 2. وَكَانَ فِيمَا قَالَه لَهُ أَيْضا: "خُذ الْحبّ من الْحبّ، وَالشَّاة من الْغنم وَالْبَعِير من الْإِبِل، وَالْبَقَرَة من الْبَقر" 3 وَلَكِن معَاذًا - رَضِي الله عَنهُ - لم يجمد على ظَاهر الحَدِيث بِحَيْثُ لَا يَأْخُذ من الْحبّ إِلَّا الْحبّ ... الخ وَلَكِن نظر إِلَى الْمَقْصد من أَخذ الزَّكَاة، وَهُوَ التَّزْكِيَة والتطهير للغني وسد خلة الْفُقَرَاء من الْمُؤمنِينَ فَلم ير بَأْسا من أَخذ قيمَة الْعين الْوَاجِبَة فِي الزَّكَاة، كَمَا ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مُعَلّقا بِصِيغَة الْجَزْم، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَدِهِ عَن طَاوس عَن معَاذ أَنه قَالَ لأهل الْيمن: "ائْتُونِي بخميس أَو لبيس آخذه مِنْكُم مَكَان الصَّدَقَة فَإِنَّهُ أَهْون عَلَيْكُم وَخير للمهاجرين بِالْمَدِينَةِ" 4.
وَقد ذهب إِلَى هَذَا أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد - فِي غير زَكَاة الْفطر - وَهُوَ الظَّاهِر من مَذْهَب البُخَارِيّ فِي صَحِيحه5.