وَقد علم بالاستقراء1 أَن الْمصَالح الْمَقْصُودَة من الشَّرَائِع ثَلَاثَة أَنْوَاع:
1 - مصَالح ضَرُورِيَّة: وَهِي الَّتِي تتَوَقَّف عَلَيْهَا حَيَاة النَّاس الدِّينِيَّة والدنيوية بِحَيْثُ إِذا فقدتْ اختلتْ الْحَيَاة الإنسانية فِي الدُّنْيَا، وَفَاتَ النَّعيم وَحل الْعقَاب فِي الْآخِرَة، وَهِي تَنْحَصِر بالاستقراء فِي الْمُحَافظَة على خمس: الدّين، وَالنَّفس، وَالْعقل، والنسل، وَالْمَال.
2 - مصَالح حاجية: وَهِي رفع الْمَشَقَّة وَدفع الْحَرج والضيق عَن النَّاس فبفقدها لَا تختل حياتهم، بل يصيبهم حرج وضيق لَا يبلغان مبلغ الْفساد المتوقع فِي فقد الضروريات، كتيسير حاجاتهم بِإِبَاحَة البيع وَالْإِجَارَة وَنَحْوهمَا، وَتَخْفِيف التكاليف عَنْهُم بقصر الصَّلَاة وَالْفطر فِي رَمَضَان للْمُسَافِر وَإِبَاحَة الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَنَحْو ذَلِك.
3 - مصَالح تحسينية: وَهِي مَالا يدْخل فِي النَّوْعَيْنِ السَّابِقين، بل يرجع إِلَى اجْتِنَاب مَا لَا تألفه الْعُقُول الراجحات، وَإِلَى الْأَخْذ بمحاسن الْعَادَات وَمَا تَقْتَضِيه المروءات وَيجمع ذَلِك قسم مَكَارِم الْأَخْلَاق ورعاية أحسن المناهج فِي الْعَادَات والمعاملات، مثل ستر الْعَوْرَة وَأخذ الزِّينَة عِنْد كل مَسْجِد، وَالْأَخْذ بآداب الْأكل وَالشرب وتجنب الْإِسْرَاف والامتناع عَن بيع النَّجَاسَات وَمَا أشبه ذَلِك.
وَدَلِيل انحصار مصَالح الْخلق فِي هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة: استقراء مصَالح النَّاس وتبيُّن رُجُوع كل مصلحَة مِنْهَا إِلَى نوع من هَذِه الْأَنْوَاع، وَقد يتَرَدَّد