وقف القدامى من المحتجين للقراءات -نحويين وقراء- من رسم المصحف مواقف مختلفات، فمنهم من ينظر إليه، ويستعين به، ويعتمد عليه، ويمنحه فضل اهتمام في الاحتجاج والتعليل، وهؤلاء -في الأعم الأغلب- هم القراء، ويمثلون مدرسة الأثر ... ومنهم من لا يعتمد عليه، سالكا سبيل أهل الرأي في الاحتجاج والتخريج، وهؤلاء هم فريق من النحاة ... ويمثلون مدرسة القياس والنظر، وفيما لي بيان لمواقف هؤلاء من الاحتجاج برسم المصحف:
أما سيبويه "180هـ" فكان يحتجّ لبعض الأوجه الإعرابية في القراءات بما هو مرسوم في بعض المصاحف؛ ففي حديثه عن قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 1:
زعم هارون أنها في بعض المصاحف: "ودوا لو تدهن فيدهنوا"2، وقد أوردها Jeffry في مصحف ابن مسعود3، ووجدها كذلك4، وكذلك وردت في مصحف أُبي، والأعمش5.
وذكر سيبويه قول الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} 6 ثم قال: وزعموا أنها في مصحف أُبي: "أنهم لا يقدرون"7، وقد ذكرها جفري في كتاب المصاحف بكسر الهمزة, وهو خطأ8.وسيبويه باستشهاده بما جاء في المصاحف على هذا النحو يقرب من أهل النقل والأثر، وهي ظاهرة لو انضمت إلى قوله: "والقراءة لا تخالف؛ لأنها