النقط والشكل وبعث بالمصاحف إلى الأمصار، وأمر أهل كل مصر أن يقيموا مصاحفهم على المصحف المبعوث إليهم1، فأصبحت قراءة كل قطر تابعة لرسم مصحفهم2، ومنع عثمان -رضي الله عنه- القراءات بما خالف خطها، وساعده على ذلك زهاء اثني عشر من الصحابة والتابعين، واتبعه على ذلك جماعة من المسلمين بعده، وصارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة وخطأ، وإن صحت ورويت3.

هذا الرسم الذي أجمعت عليه الأمة، وتلقته بالقبول بترتيب آياته، بل كلماته، بل حروفه، ليس لنا إلى إنكاره من سبيل، وأصبح مصحف عثمان الإمام والدليل فيما يعنيه من ترتيب يمنع التقديم والتأخير، ومن حصر يمنع الزيادة والنقصان، وإبدال لفظ بلفظ آخر4، وهو حجة على القارئين والمقرئين إلى يوم الدين، وأصبحت القراءة بما يخالف الرسم وإن وافق العربية وصح سنده -كالذي جاء في مصاحف الصحابة والتابعين- شاذة؛ لكونها شذت عن رسم المصحف الإمام المجمع عليه، فلا يجوز القراءة بها لا في الصلاة, ولا في غيرها5.

أورد القرطبي في تفسيره: قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "وطلع منضود" بالعين وتلا هذه الآية: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} ، وهو خلاف المصحف.

وفي رواية أنه قرئ بين يديه: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} فقال: وما شأن الطلح؟ إنما هو: "وطلع منضود"، ثم قال: {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} فقيل له: أفلا نحوّلها؟ 6 فقال: لا ينبغي أن يهاج القرآن ولا يحوّل7.

فقد اختار هذه القراءة، ولم ير إثباتها في المصحف؛ لمخالفة ما رسمه مجمع عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015