لا يقفون على أرض ثابتة، ويركضون وراء كل ناعق، لكن غالب مجتمعنا العربي رفضها؛ لكونها لا تتوافق مع قيم المجتمع وثوابته الإسلامية.
لذا تجد الأهداف التي سعى إليها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جاءت منسجمة مع القيم الرفيعة للمجتمع! نعم كانت هناك قيم كريمة في المجتمع الجاهلي، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: " أية أخلاق في الجاهلية، ما أشرفها! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض" (?).
ومن ذلك: ما أخرجه أحمد بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" (?). فمن أهم أهداف البعثة النبوية إتمام مكارم الإخلاق التي في المجتمع وتقويم المعوج من الاعتقاد والسلوكيات.
فالأهداف التي جاء بها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تتلاءم مع القيم والثوابت السامية، وهي وإن انطمس بعضها بسبب ركام الوثنية والتكبر الجاهلي، بيد أنّّ القلوب الصافية والعقول النيرة سارعت إلى اعتناق هذه المبادئ والدعوة إليها والجهاد من أجل نشرها، فضحوا بالمال والنفس والأهل والوطن في سبيل الله تعالى ولنصرة مبادئ الإسلام الحنيف.
ومن عظيم خلق النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وكمال فطنته أنه ركز على الإيجابيات في المجتمع على ما فيه من سلبيات جمة، فلم يقل (بعث لعلاج السلبيات)، وكذا لم يقل (لأتمم صالح العقيدة)، لأن العقيدة لا تقبل القسمة بين الله وغيره، فهي إما توحيد أو شرك، والمجتمع كان في جاهلية وشرك ووثنية.
وحريّ ببعض الحركات والجماعات والمؤسسات اليوم أن تعالج أسلوبها بهذا الهدي النبوي، فهي تسعى لأهداف راقية وكبيرة، ولكنها تغافلت عن الهدف الأكبر (التوحيد)، فتحولت الثوابت إلى متغيرات، والمتغيرات إلى ثوابت، باسم المصلحة والسياسة الشرعية، والحقيقة هي أنهم سيسوا الشرع، فحريّ بإخواننا التنبه لمثل هذه المزالق الخطرة عافنا الله وإياهم منها.
ومن الأمثلة أيضاً: ما أخرجه الشيخان عن ابن عباس - رضي الله عنه - يروي عن أبي سفيان - رضي الله عنه -،قبل أن يسلم: "أنّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبيٌّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً، فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إنّي سائل عن هذا الرجل فإنْ