وهنا يظهر بوضوح البدائل التي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجيش فهم في معركة شرسة مع ثاني أقوى دولة في الأرض (الروم)،وأرض المعركة بعيدة عن مركز القيادة في المدينة المنورة، لأنّ المعركة دارت في أرض الشام، فلابد من وضع بدائل مناسبة وإلا فالهدف لن يتحقق، فجاء الأمر كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتل الثلاثة، ولعل السبب في عدم جعل خالد بن الوليد في البدائل، أن إسلامه كان قريباً، وربما لو وُضع في البدائل حدثت بلبلة في وسط الجند، لاسيما أنها أوّل معركة يخوضها خالد - رضي الله عنه - مع المسلمين فترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الأمر على حاله، وجاء دور أبي سليمان خالد بن الوليد وظهر بمظهره المناسب، إذ جاء ترشيحه للقيادة برأي الجند -أنفسهم- في ساحة المعركة مع شدة الوطيس واستنان البيض.
فانظر إلى البدائل التي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه المعركة، ثم انظر إلى فطنة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اختيار خالد بن الوليد - رضي الله عنه -.
ومن الأمثلة الجلية على أهمية البدائل في الأهداف، أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان مما يوصي أمرآءه في الحرب فيقول:"ذاإ لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله، وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله، ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا" (?).
وتأمل في قوله - صلى الله عليه وسلم -:" فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم .. ": فكان - صلى الله عليه وسلم - يضع للقائد خيارات وبدائل للوصول إلى هدفه، فالإسلام أولاً، وإذا قبلوا به فهم أمام خيرين إما الهجرة أو البقاء في أرضهم ولكل واحدة أحكامها، وإذا رفضوا الدخول في الاسلام، فانتقل إلى الخيار الثاني وهو الجزية، فإن قبلوا فاقبل منهم، وإن رفضوا فانتقل إلى البديل الأخير: وهو القتال.