وإذا تدبرت وجدت الأمور المذكورة كلها تدور على الكذب، فمن كان إذا وعد أخلف فإنه يكذب في وعده، فيقول: سأفعل وهو يريد أن لا يفعل! والخائن موطّن نفسه على الكذب، يقال له: عندك كذا أو فعلت كذا؟ فيقول: لا.

ومن كان إذا عاهد غدر فهو كالوعد، بل لو كانت نيته عند المعاهدة أن يفي ثم غدر لكان كاذبا، لأن حقيقة المعاهدة أنه سيفي حتما، بخلاف الوعد، فإن العادة كالقاضية بأن مراده أنه سيفعل إذا لم يعرض له ما يغير رأيه.

وأما الفجور في الخصومة فمعناه: أنه يفتري على خصمه ويبهته بما ليس فيه، وذلك هو الكذب

وحسبك أن الإنسان المعروف بالكذب قد سلخ نفسه من الإنسانية، فإن من يعرفه لم يعد يثق بخبره فلا يستفيد الناس منه شيئا، ومن لم يعرفه يقع بظنه صدقه في المفاسد والمضار، فأنت ترى أن موت هذا الرجل خير للناس من حياته. وهبه يتحرى من الكذب ما لا يضر فإنه لا يستطيع ذلك، ولو استطاعه لكان إضراره بنفسه إذ أفقدها ثقة الناس به، على أن الكذبة الواحدة كافية لتزلزل ثقة الناس به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015