الصحابة والتابعين، ولا أحد من الأئمة المتبوعين، أنه علق بمسمى لفظ [الجوهر] و [الجسم] و [التحيز] و [العرض] ونحو ذلك شيء من أصول الدين لا الدلائل ولا المسائل؛ والمتكلمون بهذه العبارات يختلف مرادهم بها. تارة لاختلاف الوضع. وتارة لاختلافهم في المعنى الذي هو مدلول اللفظ كمن يقول [الجسم] هو المؤلف، ثم يتنازعون هل هو الجوهر الواحد بشرط تأليفه؟ أو الجوهران فصاعدا؟ أو الستة؟ أو الثمانية؟ أو غير ذلك؟ ومن يقول هو الذي يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه، وأنه مركب من المادة والصورة، ومن يقول هو الموجود، أو الموجود القائم بنفسه؛ وأن الموجود لا يكون إلا كذلك.
والسلف والأئمة الذين ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر والجسم والعرض تضمن كلامهم ذم من يدخل المعاني التي يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ في أصول الدين في دلائله، وفي مسائله نفيا وإثباتا. فأما إذا عرف المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة، وعبر عنها لمن يفهم بهذه الألفاظ ليتبين ما وافق الحق من معاني هؤلاء، وما خالفه. فهذا عظيم المنفعة، وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه كما قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} [البقرة: 213] وهو مثل الحكم بين سائر الأمم بالكتاب فيما اختلفوا فيه من المعاني التي يعبرون عنها بوضعهم وعرفهم. وذلك يحتاج إلى معرفة معاني الكتاب، والسنة، ومعرفة معاني هؤلاء