والناظر في ذلك يقول: بأن الأشعري سينهج نهج أبيه وأستاذه المحدث على الدوام، ولكن شاء الله أن يموت أبوه، وهو صغير السن وقت أن كان يتلقى دروسه الأولى1، ولم تحدد لنا المصادر تاريخ وفاته.
ولما مات أبوه تزوجت أمه2 برجل من كبار رجال الاعتزال وهو أبو علي الجبائي3، ومن ثم تأثر به الأشعري، ونحا نحو المعتزلة في الأمور الاعتقادية بل إنه برع فيها لدرجة أن شيخه وزوج أمه الجبائي كان ينيبه عنه في المجالس والدروس4.
وبذلك اتجه الأشعري منذ حداثة سنه إلى الاعتزال للعلاقة التي نشأت بينه وبين الجبائي المعتزلي، ولم يستطع وقتئذٍ - وهو صغير السن - أن يسير على نهج أبيه، وظل كذلك حتى هداه الله إلى الحق، ورجع عن الاعتزال وفارق الجبائي، وسأذكر ذلك بتفصيل عند الكلام على أطواره وعقيدته - إن شاء الله -.
ولقد كان لهذا الاتجاه أثره البالغ في هضم الأشعري لآراء المعتزلة الكلامية وإحاطته بها، ومن ثم تمكن - بعد رجوعه عنها - من الرد عليها ونقدها نقد الخبير المتمكن العارف بأخبارها وأوزارها، كما كان لهذه النشأة أثر سيئ للغاية، وهو صرف الأشعري عن الحديث وعلومه، لو كان له فيه ما لغيره من الأئمة لكان له شأن آخر.