ذكرت سابقاً أن أبا الحسن من سلالة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان من فقهاء الصحابة وقرّائهم1، وقد أثنى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عليه وعلى قومه، وذلك فيما أخرجه الحاكم بسنده إلى سماك ابن حرب قال: "سمعت عياض الأشعري يقول: لما نزلت {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قومك يا أبا موسى، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري" 2.
وقد كان لأبي موسى وأحفاده من بعده مجهود ضخم في رعاية أمور المسلمين وخدمتهم3، وقد كان أبو موسى نفسه أحد الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عن الجميع، ولا شك أن هذا الأصل الطيب له أثر في ثمرته الطيبة، ولا شك أن هذا ليس قاعدة مطردة، ولكني أردت هنا أن أبين مدى تأثر الأشعري بالبيئة التي عاش فيها، وما هو الدافع وراء تأثره بالاعتزال منذ حداثة سنه، وهذا ما سيتضح لنا فيما يأتي.
أما أبوه، فقد ذكر أبو بكر بن فورك أنه كان سنياً جماعياً حديثياً4 وأنه أوصى بالأشعري عند وفاته إلى زكريا بن يحيى الساجي5، وهو إمام في الفقه والحديث.
فوالد الأشعري إذاً من أهل السنة والجماعة، بل من أهل الحديث، ويظهر لنا حرصه وتمسكه بمذهب أهل الحديث ما قام به عند وفاته، حيث دفع ابنه إلى إمام من أئمة الحديث، وهو الحافظ زكريا الساجي محدث البصرة، وقد ذكر الذهبي في التذكرة أن الأشعري أخذ عنه مقالة أهل الحديث، كما ذكر ابن عساكر أن الأشعري روى عنه كثيراً في تفسيره6.