قال: وروينا عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء الساخن والذي - روى عنه ذلك ليث، وليس لكراهيته لذلك معنى. اهـ.
لكن إن سخن الماء بنجس فللحنابلة تفصيل فيه وهو عندهم على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء فينجسه إذا كان يسيرا.
الثاني: ألا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين، فالماء على أصل الطهارة، ويكره استعماله، والشافعي لا يكره استعماله.
الثالث: إذا كان الحائل حصينا، فمنهم من كرهه أيضا كالقاضي أبي يعلى، ومنهم من قال: لا يكره، كالشريف أبي جعفر، وابن عقيل. ولعل الصواب عدم الكراهة؛ لعدم الدليل الموجب لها. والله أعلم.
أما ماء زمزم فقد كره بعضهم الوضوء والغسل بها؛ لقول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لا أحلها لمغتسل، لكن لمحرم حل وبل. ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة، أشبه إزالة النجاسة به، وهذا المذهب من مفردات الحنابلة.
القول الثاني: عدم كراهة الوضوء والغسل منه. دليلهم ما ثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من ماء زمزم وتوضأ فيه (?) » ، كما في زوائد المسند عن علي رضي الله عنه، قالوا: إن قول العباس هذا لم يثبت عنه بل هو ثابت عن أبيه عبد المطلب، ولو ثبت عن العباس فإنه لم يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى، وأيضا فإن شرف الماء وبركته لا يوجب كراهة استعماله؛ بدليل الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم؛ ولأن ماء زمزم يدخل في مطلق الماء. وهذا مذهب الجمهور كما نقله عنهم النووي وصاحب مواهب الجليل. ولعله الصواب إن شاء الله. لكن بعض العلماء كره استعماله في إزالة النجاسة، وبعضهم قال: هو خلاف الأولى، وآخرون بالغوا فقالوا بالتحريم.
وبكل حال فلا دليل على تخصيص ماء زمزم بشيء مما ذكر فهو ماء كسائر المياه، إلا أن له شرفا لبركته التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يوجب تحريم استعماله في إزالة النجاسة، ولا كراهته وإن كان الأولى عدم إزالة النجاسة به مع وجود غيره.
أما الماء المستعمل: فهو الماء الطهور الذي استعمل في رفع الحدث، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: هل الماء المستعمل طاهر أم نجس؟