من الوجود، ولما لم يجز في الحكمة أن تكون كلها في مرتبة واحدة، صار بعضها أرفع من بعض، وبعضها أحط من بعض، وصار وجود أقربها [مرتبة] منه وساطة لوجود// [أبعدها فلا يوجد أبعدها منه إلا بوجود أقربها منه وتوسطه، ولست أريد بذكر القرب والبعد إثبات مكان]؛ لأن الباري- عز وجل-[لا يوصف بالمكان وكذلك كل] معقول لا مادة له، وإنما أريد بذكر القرب و [البعد مراتبها في الـ] وجود، وأقرب ما يمثل به وجود الموجودات عنه- تعالى- وجود الأعداد عن الواحد، وإن كان الباري- تعالى- لا يجوز أن يشبه بشيء، وكذلك صفاته وأفعاله، ولكنه على جهة التقريب، فكما أن الثلاثة لا توجد عن الواحد ألا بتوسط [وجود] الاثنين، كذلك الأربعة لا توجد إلا بتوسط وجود الثلاثة والاثنين، ولا توجد الخمسة إلا بتوسط [وجود] الأربعة والثلاثة والاثنين، وكذلك سائر الأعداد، ولهذا صار وجود كل عدد علة لوجود ما بعده مع كون الواحد علة لوجود جميعها، إذا كان لا يصح وجود الأبعد إلا بوساطة وجود الأقرب، فكذلك يمثل بالتقريب وجود الموجودات عن الباري- تعالى- لا على الحقيقة، ومعلوم أن الشيء لا يشبه بغيره من جميع جهاته، وإنما يشبه به في بعض معانيه وصفاته، فلما كان وجود الموجودات عنه-