والجواب الثاني: أن هذا البيت لو لم نجد له تأويلاً لم نعتد به حجة؛ لأن الشاعر يجوز له على وجه الضرورة ما لا يجوز في الكلام.
(فصل)
وأما المجاز الثاني الذي في قولنا: ضرب زيد عمراً؛ فهو أن (ضرب) لفظة موضوعة في اللغة ليعبر بها عن نوع الضرب كله، ألا ترى أنك تقول: ضرب زيد، وضرب الزيدان، وضرب الزيدون فيعبر بها عن النوع كله؟ ! ومعلوم أن زيداً لم يوقع بعمرو نوع الضرب كله، وإنما أوقع به جزءاً منه، فبان بهذا أنه عموم وضع موضع خصوص، وهذا النوع من المجاز أيضاً مطرد في جميع الأفعال. ألا ترى أنك تقول: أكلت خبزاً، أو شربت ماء، وقد علم أنك لم تفعل جميع الأكل ولا جميع الشرب. ويبين ذلك قول الشاعر:
(لعمري لقد أحببتك الحب كله ..... )
فأتى بالتوكيد ليرفع المجاز الذي وقع في الحب. وكذلك قول الآخر:
(وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن ألا تلاقيا)