(فصل)

وأما قول الفراء: إن العامل في (عمرو) من قولنا: ضرب زيد عمراً مجموع الفعل والفاعل معاً، فإنما قال ذلك فيما نرى _والله أعلم_ لأنه تأمل الفعل والفاعل فوجد كل واحد منهما مفتقراً إلى صاحبه، فالفعل مفتقر إلى فاعله؛ لأنه هو الذي أوجده وأحدثه، والفاعل مفتقر إلى فعله؛ لأنه به يصبح تأثيره في المفعول. ولو لم يكن للفاعل فعل لم يصح له تأثيره، ولا صح أن يسمى فاعلاً. وجد الحال على ما وصفناه جعل العامل في المفعول مجموعهما، إذ كان لا يصح نصب المفعول إلا باقترانهما. ونظير هذا من آراء البصريين رأي من رأى منهم أن الابتداء والمبتدأ جميعاً يرفعان الخبر حين كان الخبر لا يصح إلا بتقدمهما جميعاً، وهذا الذي قاله الفراء راجع عندنا إلى قول سيبويه. ألا ترى أن سيبويه لا ينكر أن الفعل والفاعل كل واحد منهما مفتقر إلى صاحبه، وإن كان يعتقد مع ذلك أن الفعل وحده هو العامل في المفعول؟ قال أبو علي القسوي: «ومما يفسد قول الفراء إجازة النحويين: (ضرب زيداً عمرو) فيقدمون المفعول على الفاعل. فلو كان العامل في عمرو مجموع الفعل والفاعل لم يجز ذلك؛ لأنك كنت تعمل العامل قبل أن يتم. ويدل على فساده أيضاً أن الفاعل والفعل جملة والجملة معنى، فلو كانت الجملة هي العاملة لم يجز: زيداً ضرب عمرو؛ لأن العامل المعنوي لا يتقدم معموله عليه، إلا أن يكون ظرفاً، فصح أن الناصب له الفعل، كما قال سيبويه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015