بارتكاب الظلم والقتل وبالجملة بجميع ما يسخط الله ولا يجب في حكم العقل والعدل، ويباح لهم ما دون ذلك. فهذا هو الحد من فوق أعني قي إطلاق التنعم. وأما الحد من أسفل أعني في التقشف والتقليل فأن يأكل الإنسان ما لا يضره ولا يمرض عليه ولا يتعدى إلى ما يستلذه غاية الاستلذاذ ويشتهيه فيكون القصد إليه للذة والشهوة لا لسد الجوع. ويلبس ما تحتمله بشرته من غير أذى ولا يميل إلى الفاخر والمنقش من اللباس، ويسن ما يقيه من الحرارة والبرد المفرطين ولا يتعدى إلى المساكن الجليلة البهية المنقوشة المزخرفة إلا أن يكون له من سعة المال ما يمكن أن يتسع معه في مثل هذه الأمور من غير ظلم ولا تعد ولا إجهاد لنفسه في الاكتساب. ولذلك يفضل في هذا المعنى المولودون من الآباء الفقراء والناشئون في الأحوال الرثة لأن التقلل والتقشف على أمثال هؤلاء أسهل كما كان التقلل والتقشف على سقراط أسهل منهما على افلاطون. وما بين هذين الحدين فمباح لا يخرج به مستعمله من اسم الفلسفة بل يجوز أن يسمى بها، وإن كان الفضل في الميل إلى الحد الأسفل دون الأعلى وكانت النفوس الفاضلة وإن كانت مصاحبة لأجسادٍ غُذيت في نعمة تأخذ أجسادها بالتدرج إلى الحد الأسفل. فأما مجاوزة الحد الأسفل فخروج عن الفلسفة إلى مثل ما ذكرنا من أحوال الهند والمنانية والرهبان والنساك، وهو خروج عن السيرة العادلة وإسخاط الله تعالى بإيلام النفوس باطلاً واستحقاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015