وكلما ذكر تعالى في آياته جملة من الجمل قال عقبها: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ*

، فأبان سبحانه وتعالى بذلك أن المشركين إنما كانوا يتوقفون في إثبات «1» توحيد الإلهية لا الربوبية على أن منهم من أشرك في ربوبيته «2» كما يأتى بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

وبالجملة فهو تعالى يحتج على منكرى الإلهية بإثباتهم الربوبية، والملك هو الآمر الناهى الذى لا يخلق خلقا بمقتضى ربوبيته ويتركهم سدى معطلين لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون فإن الملك هو الآمر الناهى المعطى المانع الضار النافع المثيب المعاقب؛ ولذلك جاءت الاستعاذة «3» فى سورة الناس وسورة الفلق بالأسماء الحسنى الثلاثة: الرب والملك والإله، فإنه لما قال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ

«4» كان فيه إثبات أنه خالقهم وفاطرهم، فبقى أن يقال: لما خلقهم هل كلفهم وأمرهم ونهاهم؟ قيل: نعم، فجاء مَلِكِ النَّاسِ

فأثبت الخلق والأمر أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ

«5» ، فلما قيل ذلك قيل: فإذا كان ربا موجدا وملكا مكلّفا، فهل يحب ويرغب إليه ويكون التوجه إليه غاية الخلق والأمر؟ قيل: إِلهِ النَّاسِ

أى مألوههم ومحبوبهم الذى لا يتوجه العبد المخلوق المكلف العابد إلا له، فجاءت الإلهية خاتمة وغاية، وما قبلها كالتوطئة لها، وهاتان السورتان أعظم عوذة «6» فى القرآن، وجاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة إلى ذلك، وهو حين سحر النبى صلى الله عليه وسلّم، وخيّل له أنه يفعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015