رسائل المقريزي (صفحة 252)

(الإشارة والإيماء إلى حل لغز الماء) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد وقف ذو القريحة «1» الشحيحة، والخاطر الحائر على ما برزت به الإشارة الكريمة، من حل لغز قد استغلق معناه، وبعد مرماه، فامتثلت ذلك ولم أكن هنالك أدخل الألغاز غير صناعتى، والنظر فيها ومعاناتها ليست من بضاعتى، لكنى سألت الله أن ييسر لى حله، فأعان عليه، وأهدى بفضله إليه، فإذا هو قد ألغز فى الماء الذى به حياة الأنفس، وحياة كل شىء حى وبيانه أنه قال:

ما قولكم في شىء يطير بلا جناح يبيض ويفرخ في البطاح «2» ؟

هذا إشارة إلى نزول الماء من السحاب، فإن الطيران هو الاستعلاء في جو السماء والارتفاع في الهواء والمرور فوق الأرض وتحت السماء، وكذلك الماء فإنه يستعلى في الجو، فإن الشمس إذا أشرقت وارتفع الندى طار، وحقيقة الندى النازل من السمآء إنما هو أجزاء مائية صغيرة واعتبره هذا تجده عيانا، فإنك إذا وضعت قشرة بيضاء تحت السماء في ليلة ذات أندية فإنها توجد في السحر قد امتلأت ماء، فإذا طلعت الشمس تراها ترتفع في الجو بنفسها حتى تغيب عن العيان، وأما مرور الماء فوق الأرض وتحت السماء، فأمر مشاهد عند نزول المطر، فقد بان واتضح أنه يطير بلا جناح، وإطلاق الطيران عليه يكون من باب الاستعارة.

وقوله: «يبيض ويفرخ في البطاح» استعارة لطيفة، فإن الماء إذا نزل إلى الأرض أخرجت عند ذلك حبّها، ومن هذا فاستعار اسم البيض والفراخ لما يكون عن الماء، والاستعارة تكون بأوفى علاقة كما تقرر في علم البيان.

«رأسه في ذنبه» يشير إلى أن وقت نزول الماء من السماء يرى خطوطها؟؟ كأنها حبال أو أعمدة، أو خيوط بحسب غزارته، فيكون رأس الخط الممتد مما يلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015