رسائل المقريزي (صفحة 222)

لكنه إذا خرج للغزو أمر جنده فألقى كل منهم حجرا في موضع بعينه لذلك، فإذا رجع من غزاته أخذ كل واحد من العسكر حجرا، فما فضل من الحجارة علموا به عدة من هلك منهم، فلما هلك الحطى داود بن يوسف أرعد سنة اثنتى عشرة وثمانمائة أقيم بعده ابنه تدرش، فهلك سريعا وأقيم بدله أخوه إسحاق بن داود بن سيف أرعد، ورأيت من يسميه أيرم ففخم أمره؛ وذلك أن بعض المماليك الجراكسة ممن كان ذردكاش «1» بديار مصر قدم عليه وأقام عنده وعمل له زردخانة «2» تشتمل على آلات السلاح من السيوف والرماح والزرديات ونحو ذلك، وكانوا من قديم الدهر إنما سلاحهم الحراب يرمون بها، وقدم عليه من أمراء الدولة بمصر شخص يقال له: الطنبغا مفرق، حتى ولى بعض بلاد الصعيد، ثم فر إليه، وكان يعرف من أساليب اللعب بآلات الحرب ومن أنواع الفروسية أشياء، فحظى عند الحطى وعلّم عساكره رمى النشّاب «3» واللعب بالرمح والضرب بالسيف، وعمل لهم النفط فعرفوا صناعات الحروب، وقدم عليه أيضا من قبط مصر نصرانى يعقوبى يعرف بفخر الدولة فرتب له المملكة، وجىء له بالأموال فصار له ملك له سلطان وديوان بعد ما كانت مملكته ومملكة آبائه همجا لا ديوان لهما ولا ترتيب ولا قانون وانضبطت عنده الأمور وتميز زيّه من رعيته بالملابس الفاخرة بعد ما كان داود بن سيف أرعد يخرج عريانا، وقد عصب رأسه بعصابة حمراء، فصار إسحاق يمر في موكب جليل بشارة الملك، حتى لقد أخبرنى من رآه وهو راكب فرسه وقد مر في موكبه، وبيده اليمنى صليب من ياقوت أحمر قد قبض عليه بكفه ووضعها على فخذه وطرفا الصليب بارزتان عن يده بروزا كثيرا، فلما تحضرت دولته وقويت شوكته وسوس إليه شياطينه أن يأخذ ممالك الإسلام، فأوقع من تحت يده في ممالك الحبشة من المسلمين وقائع شنيعة طويلة قتل فيها وسبى واسترق عالما لا يحصيه إلا خالقه سبحانه وتعالى.

وأزال دولة المسلمين من هناك كما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى، ثم كتب إلى ملوك الإفرنج يحثهم على ملاقاته لإزالة دولة الإسلام وواعدهم على ذلك، وأخذ فى تمهيد ما بينه وبين البلاد الإسلامية واستجلاب العربان إليه، فعاجله الله تعالى بنقمته وأهلكه عقيب ذلك في ذى القعدة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وسلّط الله على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015