ولم يخالطها شىء من الأجزاء الأرضية وأثرت فيها حرارة المعدن وطال وقوفها هناك، فإنها تزداد صفاء وثقلا وغلظا، فتنعقد منها الأحجار الصلبة التى لا تتأثر من الماء والنار كاليواقيت، واختلفت ألوانها بسبب حرارة المعدن وقلّتها.
أما القسم الثانى فيتولد من امتزاج الماء والأرض إذا كانت لزجة وأثرت فيها حرارة الشمس مدة طويلة، ألا ترى أن النار إذا أثرت في اللين كيف تصليه وتصيّره أجزاء، فإن الآجر صنف من الحجر إلا أنه رخو وكلما كان تأثير النار فيه أكثر كان أصلب، ثم إن هذه الأحجار تختلف باختلاف الأماكن، فإن كانت في بقاع سبخة تولدت منها أنواع الأملاح والبوارق والشبوب، وإن كانت في بقاع غضة تولدت فيها أنواع الزاجات الأحمر والأصفر والأخضر، وإن كانت في بقاع ترابية وطين حر انعقدت حجرا مطلقا، وقد ينعقد الحجر في بعض المواضع من الماء.
ومن خاصية ذلك الموضع أن يرى الماء في بعض المواضع يتقاطر من أعلاه، فإن أخذ قبل أن يقع على الأرض بقى ماء، وإن ترك حتى يقع على الأرض صار حجرا صلدا، أو ما ذاك إلا لخاصية في ذلك الموضع يعقد بها الماء حجرا.
ووجد في بعض المواضع حيوانات ونبات قد مسخها الله حجارة، فجاز أن يكون بهذا الطريق وأن يكون قد أفاض الله تعالى على تلك الأرض قوة عند غضبه على سكانها حتى ظهرت من جوف الأرض وصيّرت عليها شبه حجر صلد.
وحكى ابن سينا أنه كان على الجبل الذى «بجاجرم» فرأى جردقا «1» من الخبز أطرافها ذاتية ووسطها مقعر كما يكون بجرادق الخبز وعلى ظهرها خطوط كما يكون الخبز من أناشق التنور «2» ، فبواسطة هذه العلامات يغلب على الظن ولا يشك الناظر إليه أنه كان خبزا فمسخه الله حجرا. والجواهر المعدنية كثيرة ولم يعرف الناس منها إلا القليل. والأحجار منها ما هو صلب لا يذوب بالنار ولا تعمل فيه القوس كاليواقيت، ومنها ما هو تراب رخو يذوب في الماء كالأملاح والزاجات، ومنها ما هو نبات مصنوع كإقليميا الذهب والفضة والزنجفر والزيجات.
ومنها ما بينه وبين آخر ألفة كالذهب والماس، فإن الماس إذا قرب من الذهب