أصلا، فإن الله تعالى طهرهم، فليعلم الذام لهم أن ذلك يرجع إليه ولو ظلموه، فذلك الظلم هو في زعمه، لا في نفس الأمر، بل حكم ظلمهم ينافى نفس الأمر، كجرى المقادير على العبد في ماله يغرق أو يقع في النار فيحترق أو يموت له أحد أحبابه، أو يصاب هو في نفسه، وهذا كله مما لا يوافق غرضه، ولكن ينبغى أن يقابل ذلك كله بالرضا والتسليم، وإن نزل عن هذا المقام فبالصبر، وإن ارتفع فبالشكر، فإن في طى ذلك نقمة «1» من الله تعالى له، وليس وراء ما ذكرناه خير، فإنه ما وراءه إلا الضجر والتسخط؛ ولذلك ينبغى أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من أولاد فاطمة رضى الله عنهم في ماله وفي أهله، وفي عرضه وفي نفسه أن يقابله بالرضا والتسليم والصبر، ولا يلحق بهم المذمة أصلا، وإن توجهت عليهم الأحكام الشرعية من إقامة الحدود المشروعة، فذلك لا يقدح في هذا، وإنما نمتنع من إلحاق الذم بهم وسبهم؛ إذ قد ميزهم الله تعالى عنا بما ليس لنا معهم فيه قدم، وأما أداء الحقوق المشروعة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقترض من اليهود، وإذا طالبوه بحقوقهم أداها على أحسن ما يمكن.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» فذلك حق الله تعالى، ومع هذا لم يذمهم الله تعالى.
وإنما كلامنا في حقوقكم، وفيما لكم أن تطالبوهم به فلكم ذلك، وليس لكم ذمهم ولا الكلام في أعراضهم، ولا سبهم، وإن نزلتم عن طلب حقوقكم، وعفوتم عنهم فيما أصابوه منكم كان لكم بذلك عند الله الزلفى، فإن النبى صلى الله عليه وسلّم ما سأل منكم إلا المودة في القربى، ومن لم يقبل سؤال نبيه فيما هو قادر عليه فبأى وجه يلقاه غدا أو يرجو شفاعته، وهو ما أسعف نبيه فيما سأله من المودة في قرابته، ثم إنه جاء بلفظ المودة وهى الثبوت على المحبة، فإن من ثبت على محبته استصحب المودة في كل حال، وإذا استصحب المودة في كل حال لم يؤاخذ أهل البيت فيما يطرأ منهم في حقه مما لا يوافق غرضه، ألا ترى ما قال المحب وما ذكر المودة التى هى أتم:
وكل ما يفعل المحبوب محبوب