منها إلى دار الضرب، فاضطرب الناس وبلغت أربعة دراهم بدرهم جديد، وتقرر أمر الدارهم الجدد على ثمانية عشر درهما بدينار.
فلما زالت الدولة الفاطمية بدخول الفرس الشام ومصر على يد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، فى سنة تسع وستين وخمسمائة، قرّرت السّكة بالقاهرة باسم المرتضى بأمر الله وباسم الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى، صاحب بلاد الشام، فرسم اسم كل منهما في وجه، وفيها عمت بلوى المصارف بأهل مصر؛ لأن الذهب والفضة خرجا منها وما رجعا وعدما، فلم يوجدا، ولهج الناس بما غمّهم من ذلك وصاروا إذا قيل: دينار أحمر، فكأنما ذكرت حرمة له، وإن حصل في يده فكأنما جاءت بشارة الجنة له، ومقدار ما حدث أنه خرج من القصر ما بين درهم ودينار، ومصاغ وجوهر ونحاس، وملبوس، وأثاث وقماش وسلاح ما لا يفى به ملك الأكاسرة ولا تتصوره الخواطر ولا تشتمل على مثله الممالك ولا يقدر على حسابه إلا من يقدر على حساب الخلق في الآخرة.
نقلت ما هذا نصه من خط القاضى الفاضل عبد الرحيم، ثم لما استبد الملك صلاح الدين، بعد موت الملك العادل نور الدين، أمر في شوال سنة 583 بأن تبطل نقود مصر، وضرب الدينار ذهبا مصريا، وأبطل الدرهم الأسود، وضرب الدراهم الناصرية وجعلها من فضة خالصة ومن نحاس، نصفين بالسوى، فاستمر ذلك بمصر والشام إلى أن دخل الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبى بكر محمد بن أيوب، فأبطل الدرهم الناصرى، وأمر في ذى القعدة من سنة 622 بضرب دراهم مستديرة، وتقدم أنه لا يتعامل الناس بالدراهم المصرية العتق، وهى التى تعرف في مصر والإسكندرية بالزيوف.
وجعل الدرهم الكامل ثلاثة أثلاث، ثلثيه من فضة، وثلثيه من نحاس، فاستمر ذلك بمصر والشام مدة أيام ملوك بنى أيوب.
فلما انقرضوا وقامت الأتراك من بعدهم أبقوا سائر شعارهم واقتدوا في جميع أحوالهم وأقروا نقدهم على حاله، من أجل أنهم كانوا يفتخرون بالانتماء إليهم، حتى أنى شاهدت المراسيم التى كانت تصدر عن الملك المنصور قلاوون وفيها بعد البسملة «الملكى الصالحى» وتحت ذلك بخطه «قلاوون» .