رسائل المقريزي (صفحة 160)

واستمر الأمر كما ذكر إلى شهر رمضان سنة أربع وثمانين ومائة، فصار النقص أربعة قراريط وحبة ونصف حبة، وصارت لا تجوز إلا في المجموعة أو بما فيها ثم بطلت، فلما قتل هارون الرشيد جعفرا، صير السكك إلى السندى، فضرب الدراهم على مقدار الدنانير، وكان سبيل الدنانير في جميع ما تقدم ذكره سبيل الدراهم، وكان خلاص السندى جيدا أشد الناس خلاصا للذهب والفضة.

فلما كان شهر رجب سنة 192 نقصت الدراهم الهاشمية نصف حبة، وما زال الأمر في ذلك كله عصرا يجوز جواز المثاقيل ثم ردت إلى وزنها، حتى كان أيام الأمين محمد بن هارون الرشيد، فصيّر دور الضرب إلى العباس بن الفضيل بن الربيع، فنقش في السّكة بأعلى السطر: «ربى الله» ومن أسفلها «العباس بن الفضل» .

فلما عهد الأمين إلى ابنه موسى ولقبه: (الناطق بالحق المظفر بالله) ضرب الدنانير والدراهم باسمه، وجعل زنة كل واحد عشرة ونقش عليه:

كل عز ومفخر ... فلموسى المظفّر

ملك خص ذكره ... فى الكتاب المسطّر

فلما قتل الأمين واجتمع الأمر لعبد الله المأمون، لم يجد أحدا ينقش الدراهم فنقشت بالمخراط «1» كما تنقش الخواتم، وما برحت النقود على ما ذكر، أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، فلما قتل المتوكل وتغلبت الموالى من الأتراك وتناثر سلك الخلافة وبقيت الدولة العباسية في الترف، وقوى عامل كل جهة على ما يليه، وكثرت النفقات وقلت المجابى «2» بتغلّب الولاة على الأطراف، وحدثت بدع كثيرة من حينئذ، ومن جملتها غش الدراهم.

ويقال: إن أول من غش الدراهم وضربها زيوفا «3» : عبيد الله بن زياد حين فرّ من البصرة في سنة أربع وستين من الهجرة ثم فشت في الأمصار «4» أيام دولة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015