ومن هداية الحمار_وهو من أبلد الحيوان_أن الرجل يسير به، ويأتي به إلى منزله في البعد في ليلة مظلمة، فيعرف المنزل، فإذا خُلِّي جاء إليه.

ثم إنه يُفرِّق بين الصوت الذي يُسْتَوْقَفُ به، وبين الصوت الذي يُحث به على السير.

ومن عجيب أمر الفأرة أنها إذا شربت من الزيت الذي في أعلى الجرة فَنَقَصَ، وعَزَّ عليها الوصولُ إليه_ذهبت وحملت في أفواهها ماءً وَصَبَّتْهُ في الجرة؛ حتى يرتفع الزيت فتشربه.

وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أموراً تنفعه في معاشه وأخلاقه، وصناعته، وحربه، وحزمه، وصبره.

وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس، قال_تعالى_: [أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً] (الفرقان: 44) .

قال أبو جعفر الباقر: =والله ما اقتصر على تشبيههم بالأنعام حتى جعلهم أضل سبيلاً منها+.

قيل لرجل: مَنْ علمك البكور في حوائجك أول النهار لا تخل به؟.

قال: مَنْ علم الطير تغدو خماصاً كل بكرة في طلب أقواتها على قربها وبعدها لا تسأم ذلك، ولا تخاف ما يعرض لها في الجو والأرض.

وقيل لآخر: مَنْ عَلَّمك السكونَ، والتحفظ، والتماوت حتى تظفر بإربك، فإذا ظفرت به وثبت وثوب الأسد على فريسته؟.

فقال: الذي علم الهرة أن ترصد جحر الفأرة فلا تتحرك، ولا تتلوى، ولا تختلج، حتى كأنها ميتة، حتى إذا برزت الفأرة وَثَبَتْ عليها كالأسد.

وقيل لآخر: مَنْ عَلَّمك حسن الإيثار والبذل والسماحة؟.

قال: مَنْ علم الديك يصادف الحبة في الأرض وهو يحتاج إليها ولا يأكلها، بل يستدعي الدجاج، ويطلبهن طلباً حثيثاً حتى تجيء الواحدةُ منهن، فتلقطها وهو مسرور بذلك طيب النفس به، وإذا وضع له الحب الكثير فَرَّقه ها هنا وها هنا وإن لم يكن له دجاج؛ لأن طبعه قد ألف البذل والجود؛ فهو يرى أنه من اللؤم أن يستبد وحده بالطعام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015