وانما كني عن النساء بالشموس وعن المحاماة دونهن بالضباب والعرب قد تكنى أيضاً عن النساء بالجآذر والظباء والمها والبقر " وأتى النعمان " بن المنذر بهذه الكناية وكان فيها دمه وذلك انه كان وتر زيد بن عدي اذ قتل أباه عدي بن زيد وزيد ترجمان الملك ابرويز وكان يتربص بالنعمان الدوائر ويبغي له الغوائل ولما علم ميل الملك إلى النساء وصف له بنات النعمان واشار عليه بخطبتهن وهو يعرف امتناعه من تزويج العجم لما في نفسه من النخوة فارسل اليه رسولا في الخطبة فقال النعمان أما للملك غنية ببقر العراق عن هؤلاء الاعرابيات السود وترجم زيد هذه اللفظة بالفارسية وقبح المعنى وأساء المحضر وقال انه يعير الملك بنيك البقر فأمر ابرويز باشخاص النعمان والقائه إلى الفيلة حتى خبطته بارجلها وأتت على بقيته.. ومما لا نهاية لحسنه كناية النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة الحسناء في المنبت السوء اياكم وخضراء الدمن " فصل في الكنايات عن الحرم " " لما نقل " ابو الحسن خمارويه بن طولون والى مصر ابنته المسماة قطر الندى إلى المعتضد كتب اليه يذكره حرمة سلفها بسلفه ويصف ما يرد عليها من ابهة الخلافة وروعة السلطان ووحشة الغربة ويساله ايناسها وبسطها وتقريبها فأراد الوزير عبيد الله بن سليمان ان يجيب عن الكتاب بخطه فسأله جعفر بن محمد بن ثوابة أن يعتمد عليه في الجواب ففعل فكتب جعفر بن محمد كتابا قال في فصل منه..وأما الوديعة أعزك الله فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك الي يمينك ضنامنا بها وحيطه لها ورعاية لمودتك غفيها قلما عرضه على الوزير عبيد الله ارتضاه جداً وقال له كنايتك عنها بالوديعة نصف البلاغة ووقع له بالزيادة في جراياته واقطاعاته " ولما كانت " أيام عز الدولة بن معز الدولة ونقل ابنته إلى عمدة الدولة أبى ثعلب الحمداني كتب غنه أبو اسحاق الصابي إلى أبي ثعلب كتابا استحسنه أهل الصناعة وتحفظوا منه هذا الفصل لاشتماله على عدة كنايات لطيفة ونسخته.. وقد توجه ابو النجم بدر الحرمى وهو الامين على ما يلحظه الوفي بما يحفظه نحوك يا سيدي ومولاي أدام الله عزك بالوديعة وانما ثقلت من وطن إلى سكن ومن مغرس إلى معرس ومن مأوئ مري والعطاف إلى مثوى كرامة والطاف وهي بضعة مني حصلت لديك وثمرة من جنى قلبي انفصلت اليك وما بان عني من وصلت حبله بحبلك وتخيرت له بارع فضلك ويوأته المنزل الرحب من جميل خلائقك وأسكنته الكنف الفسيح من كريم شيمك وطرائفك ولا ضياع على ما تضمنه أمانتك وتشتمل عليه صيانتك.. قال مؤلف الكتاب وكثيراً ما يكنى ابن العميد والصاحب والصابي وعبد العزيز بن يوسف وهم بلغاء العصر وافراد الدهر عن البنت بالكريمة وعن الصغيرة بالريحانة وعن الام بالحرة والبرة وعن الاخت بالشقيقة وعن الزوجة بكبيرة البيت وعن الحرم بمن وراء الستر وعن الزفاف بتأليف الشمل واتصال الحبل ولو كتبت الفصول المتضمنة لهذه الكنايات لا متد نفس الباب وفيما أوردته من هذه النكت كفاية " وحدثني " أبو النصر محمد بن عبد الجبار العتبي قال لما توفيت والدة الأمير الرضي أبي القاسم نوح ابن منصور احتاج خالي أبو النصر العتبي إلى مكاتبة الحضرة في التعزية عنها فلم يرتض لفظة الام والوالدة في ذكرها فكتب كتابا قال في فصل منه وقد قرع الاسماع نفوذ قضاء الله فيمن كان البيت المعمور ببقائها مصعد الدعوات المقبولة ومهبط البركات المأمولة فارتضاه كتاب الحضرة وتحفظوه " فصل في الكناية عن عورة المرأة " أنشدني أبو القاسم الرسوري لبعض العرب
وإذا الكريم أضاع مطلب أنفه ... أو عرسه لكريهة لم يغضب
" والعرب " تقول ان الجنين إذا تمت أيامه في الرحم وأراد الخروج منه طلب بانفه الموضع الذي يخرج منه فقال لي الاستاذ ابو بكر الطبري انظر كيف لطف هذا الشاعر بحذفه للكناية عن فرج الام بقوله مطلب انفه " ومعنى " البيت ان الرجل متى لم يحم فرج أمه أو امراته لم يغضب من شيئ يؤتي اليه بعد ذلك.. وقال الصاحب في رسالته الموسومة بالتلبيه على مساوى شعر المتنبي قد كانت الشعراء تصف المآزر وتكني بها عما وراءها تنزيهاً لالفاظها عما يستبشع ذكره حتى تخطي هذا الشاعر المطبوع إلى التصريح الذي لم يهتد اليه غيره فقال
اني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سرا ويلاتها