بين جبال سامقة، وأعلام شاهقة، مزدانة بزروع قد أخرجت شطأها، وأشجار قد حملت عبأها، حتى إذا قربنا من مصب نهر آر في تلك البحيرة لاح لنا منظر بهيج، ورونق يهيج، فشاهدناه نهراً بين جبلين باذخين، وطودين منيفين، وقد مالت إليه الغصون، كأنها تميل إلى رَشْفِ رُضابه العذب، أو تحنو شفقة على هذا العاشق الصب كما قال القيراطي، وهو من أحسن موزوناته:
وربَّ نهر له عيون ... تحار في وصفه العيون
لما غدا الريقُ منه عذباً ... مالت إلى رشفه الغصون
أو كما قيل وما أطربه من قيل:
تَثَنى الغصن إعراضاً وعجباً ... على نهر يذوب أسى عليه
فرق له النسيم وجاء يسعى ... ملاطفة وميله إليه
ولم نزل جذلين مبتهجين، حتى رست بنا السفينة على محطة ركبنا منها عربات بخارية، قاصدين بلدة يقال لها انترلكن، وبعد أويقات زج بنا في واديها، فلاحت لنا عجائب مناظرها، ونزلت بها، وقد ناداني لسان حالها:
هلم يا صاح إلى روضة ... يجلو بها العاني صدى هَمِّه
نسيمها يعثُر في ذيله ... وزهرُها يضحك في كُمه