لوضع كتاب فيه كان يحوم بفكري القاصر أني أول مشرقي مسلم طرق تلك البلاد ووصفها مادياً وأدبياً، وكان ذلك سبباً يبعث من همتي إلى دقة البحث عن أحوال تلك البلدان ولم يزل ذلك مختلجاً في

صدري حتى إذا عدت إلى برلين أردت أن أتحقق جلية الأمر، فمازلت أتصفح في كتاب يسمى آثار البلاد ما يستدل منه أن أبا بكر محمد الأندلسي الطرطوشي المعروف بابن أبي رندقة قد ساح في بلاد ألمانيا ووصف بعضاً منه: فكدت أتيه عجباً وفخراً حيث زادني دليلاً على ما قامت به أمة العرب في القرون الأولى والمتوسطة من توسيع نطاق علمي الجغرافية والتاريخ، وصار لي حجة على أهل أوروبا الذي طالما شافهني كثير منهم مفتخراً بكثرة سياحاتهم، مدعياً أن المشرقيين لا عزم ولا جأش لهم، فقلما من تجول منهم وساح في البلاد طلباً لوصفها اللهم إلا ابن بطوطة المشهور بسياحته قديماً.

وأبو بكر محمد الطرطوشي هذا ولد في طرطوشة بالأندلس في إسبانيا سنة 415 هجرية تقريباً، وتُوفي سنة 520 بمدينة إسكندرية، وله بها ضريح يزار إلى الآن، ويُكنى أيضاً بأبي رندقة قال ابن خلكان: وكلمة رَنْدَقة بفتح الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة والقاف، وهي لفظة فرنجية. قال سألت بعض الفرنج عنها فقال معناها رد تعال انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015