رسائل ابن حزم (صفحة 979)

لائحة، وقد طمس معرفة علمها، ومن ذلك علم الموسيقى وأصنافها الثلاثة، فإن الأوائل يصفون أنه كان منها [ما] يشجع الجبناء وهو اللوي، ونوع ثان يسخي البخلاء وأظنه الطنيني، ونوع ثالث يؤلف بين النفوس وينفر (?) . وهذه صفات معدومة من العالم اليوم جملة. فاعلموا أسعدكم الله بتوفيقه أن من رأيتموه يدعي علم الموسيقى واللحون، وعلم الطلسمات، فإنه ممخرق كذاب ومشعوذ وقاح، وكذلك من وجدتموه يتعاطى علم الكيمياء فإنه قد أضاف إلى هذه الصفات الذميمة التي ذكرنا استئكال (?) أموال الناس، واستحلال التدليس في النقود وظلم من يعامل في ذلك، والتغرير بروحه وبشرته في جنب ما يعاني من هذه الرذيلة. فإن العلمين المذكورين أولاً، وإن كانا قد عدما وانقطعا ألبتة، فقد كانا موجودين دهوراً. وأما هذا العلم الذي يدعونه من قلب جوهر الفلز (?) ، فلم يزل عدماً غير موجود. وباطلاً لم يتحققساعةً من الدهر؛ إذ من المحال الممتنع قلب نوع إلى نوع، ولا فرق بين أن يقلب نحاس إلى أن يصير ذهباً أو قلب ذهب إلى أن يصير نحاساً، وبين قلب إنسان إلى أن يصير حماراً، أو قلب حمار إلى أن يصير إنساناً. وهكذا سائر الأنواع كلها، وهذا ممتنع ألبته، وبالله تعالى التوفيق، ومنه أستمد (?) لا إله إلا هو، فلا وجه للاشتغال بلعم قد دثر وعدم، وإنما الواجب أن يتهمم المرء بالعلوم الممكن تعلمها التي قد يتنفع بها في الوقت، وأن يؤثر منها بالتقديم ما لا يتوصل إلى سائره إلا به ثم الأهم فالأهم والأنفع فالأنفع، فإن من رام الاتقاء إلى أرفع العلوم دون معاناة ما (?) لا يوصل إليه إلا به، كمن رام الصعود إلى عليةٍ مفتحة مظلمة أنيقة البناء دون أن يتكلف التنقل إليه في الدرج (?) والمراقي التي لا سبيل إلى تلك العلية إلا بها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015