لا مبدأ له، فهو خالق الزمان، فهو في غير زمان - ولابد -.
14 - ثم ينظر هل له محدث مبتدئ أو لا، فوجب بأول العقل أن الحدوث والإبتداء فعل، والفعل يقتضي فاعلاً ضرورة، ولا يمكن غير ذلك أصلاً.
وأيضاً فإن النشأة والتربية والعيش، وعمارة ما لا عيش إلا به من نبات الأرض والحيوان المسخر، لا يمكن شيء من ذلك ألبتة ولا يكون وجوده أصلاً إلا بلغة يقع بها التخاطب والتفاهم، ووجدنا كل من لم يعلم اللغة لا يتكلم أبداً. وهكذا وجدنا كل من يولد أصم، فإنه لا يكون ضرورة إلا أبكم لا ينطق أبداً؛ فصح ضرورة انه لا يتكلم أحد أبداً إلا من سمع الكلام وعلمه، وكذلك جميع العلوم لا يمكن ألبتة أن يحسنها أحد أبداً إلا حتى يعلمها، برهان ذلك المشاهد مدة عمر العالم إلى يومنا هذا، فإن كل من لا يعلم الكلام لا يعلمه. والكلام التي لا علم فيها كبلاد الروم والصقالبة والترك والديلم والسودان والبربر والبوادي التي بين الحواضر لا سبيل إلى أن يوجد فيها شيء من العلوم التي لم يعلموها مذ وجد (?) العالم إلى يومنا هذا، وكذلك جميع الصناعات من الحرث والحصاد والدرس، وآلات كل ذلك، والذرو والطحن وعمل الكتان والقطن والقنب والحرير وغزل ذلك كله، لا سبيل إلى أن يعرف أحد شيئاً من ذلك كله إلا حتى يوقف عليه فيقبله ويترفق به ويفتق (?) بذهنه في ذلك بما جعل في طبعه من قبوله (?) ، وبرهان ذلك انه من لم يعلمه قط لا يدريه، وأن البلاد التي خلت من بعض هذه الصناعات لا توجد أصلاً فيها مذ كان العالم إلى يومنا [145/أ] هذا، بخلاف ما تقتضيه الطبيعة مما لا يحتاج فيه إلى معلم: كالرضاع والأكل والشرب والجماع وغير ذلك مما لا يحتاج فيه الإنسان إلى معلم وكذلك سائر الحيوان. فصح ضرورة - صحة حسنة مشاهدة - أنه لا بد في اللغات من معلم، ولابد في الصناعات من معلم، ليس من المعلمين الذين في طبعهم تعلم ذلك دون تعليم، إذ لو كان ابتداء ذلك موجوداً في الطبيعة لوجد ذلك في كل عصر وفي كل مكان، لان الطبيعة واحدة في جميع النوع؛ وكذلك نجدهم يستوون كلهم فيما توجبه الطبيعة لهم، إلا أن يعرض عارض حائل في بعض النوع. فوجب ضرورة أن مبتدئ إيجاد (?) العالم هو الذي ابتدأ تعليم اللغات وابتدأ تعليم الصناعات، لابد من ذلك، وانه تعالى علم كل ذلك أول من أحدث