رسائل ابن حزم (صفحة 825)

طريق خلاصنا إلا بالنبوة، وأما بالعلوم الفلسفية التي قدمنا فلا - أصلا - ومن ادعى ذلك فقد ادعى الكذب، لأنه يقول ذلك بلا برهان ألبتة، وما كان هكذا فهو باطل، ولا يعجز أحد عن الدعوى، وليست [144/أ] دعوى أحد أولى من دعوى غيره بلا (?) برهان. ثم البرهان قائم على بطلان هذه الدعوى، لأن الفلاسفة الذين إليهم يستند هذا المدعي يختلفون في أديانهم كاختلاف غيرهم سواء سواء، فوجب طلب الحقيقة في ذلك عند من قام البرهان على انه إنما يخبر عن خالق العالم ومدبره - عز وجل -. وهذا مكان يلزم العاقل الناصح لنفسه ألا يجعل كده ولا اجتهاده إلا في الوقوف على حقيقته، وإلا فهو موبق لنفسه، ولا يشتغل عن ذلك بعلم من العلوم تقل منفعته، ومن فعل هذا فهو ضعيف العقل، فاسد التمييز، سيئ الاختيار، مستحق للذم، جان على نفسه عظيم الجنايات.

12 - فأول ذلك أن ينظر: هذا العالم محدث كما قالت الأنبياء - عليهم السلام - وأكثر علماء الأوائل والفلاسفة، أم لم يزل كما قال غيرهم. ومعرفة حقيقة ذلك قريبة جداً لصحة البرهان الحسي الضروري المشاهد على تناهي عدد الأشخاص النامية من كل نوع من أنواع الحيوان والنبات، فإن أشخاص نوعين منها اكثر عدداً بلا (?) شك من أشخاص أحد ذينك النوعين. فإذ لا شك في هذا عند أحد، فقد ثبت المبدأ في وجود كل عدد متناه، فقد وجب لها المبدأ ضرورة - ولا بد - وإن زمان وجود الفلك الكلي - بكل ما فيه - يزيد عدد ساعاته بما يأتي منه، وبالضرورة يدري كل أحد (?) أن ما قبل الزيادة، فإن النقص موجود فيه قبل تلك الزيادة، عما صار إليه بتلك الزيادة. ولا شك في [أن] الزيادة والنقص لا يمكن وجودهما إلا في ذي نهاية ومبدأ. فصح المبدأ للعالم ضرورة، وصح أنه محدث مبتدأ (?) ، والله أعلم.

13 - وأيضاً فإن الزمان كله يوم ثم يوم - هكذا مدة وجوده - وكل يوم فله مبدأ ونهاية بالمشاهدة. فإذ كل جزء من أجزاء الزمان ذو مبدأ ونهاية - والزمان ليس هو شيئاً غير أجزائه التي هي أيامه [144 ب]- فالزمان ذو مبدأ ونهاية - ولابد - ضرورة، ومن ادعى مدة غير الزمان فقد ادعى الباطل وما لا يقوم به برهان أبداً. ومن أراد إيقاع الزمان على الباري تعالى فقد تناقض بالباطل، لأن الزمان - كما بينا - ذو مبدأ، والباري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015