مسلكهما، أو سلكا مسلكه، ممن كان قبلهما من أهل الهند والنبط والقبط، وهو علم برهاني حسي حسن، وهو معرفة الأفلاك ومدارها وتقاطعها ومراكزها وأبعادها، ومعرفة الكواكب وانتقالها وأعظامها وأبعادها وأفلاك تداويرها، ومنفعة هذا العلم إنما هو في الوقوف على أحكام الصنعة وعظيم حكمة الصانع (?) وقدرته وقصده واختياره، وهذه منفعة جليلة جداً لا سيما في الآجل.
5 - وأما القضاء بالكواكب فباطل لتعريه من البرهان، وإنما هو دعوى فقط، ولا نحصى كم شاهدنا من كذب قضاياهم المحققة، وإن أردت الوقوف على ذلك فجرب، تجد كذبها أضعاف صدقها كالراقي والمتكهن سواء سواء ولا فرق.
6 - وعلم الطب الذي تكلم فيه [143/أ] أبقراط وجالينوس وذياسقوريدس (?) ومن جرى مجراهم، وهو علم مداواة الأجسام من أمراضها مدة مقامها في الدنيا، وهو (?) علم حسن برهاني؛ إلا أن منفعته إنما هي في الدنيا فقط، ثم ليست أيضاً صناعة عامة، لأننا قد شاهدنا سكان البوادي وأكثر البلاد يبرأون من عللهم بلا طبيب، وتصح أجسامهم بلا معالجة كصحة المتعالجين وأكثر، ويبلغون من الأعمار كالذي يبلغه أهل التداوي في القصر والطول، وفيهم من يرتاض ومن يخدم ولا يرتاض، ومن لا يرتاض ولا يخدم كأهل اليسار منهم والدعة من الرجال والنساء. فان قيل: إن لهم علاجات يستعملونها (?) قلنا تلك العلاجات ليست جاريات (?) على قوانين الطب بل هي مذمومة عند أهل العلم بالطب، واكثر ما يقدمون عليه بالرقي ولا مدخل له عند أهل الطب.
7 - فاعلم الآن أن كل علم قلت منفعته، ولم تكن مع قلتها إلا دنياوية وعاش من جهله كعيش من علمه - مدة كونهما (?) في الدنيا - فإن العاقل الناصح لنفسه لا يجعله وكده، ولا يفني فيه عمره، لأنه ينفق أيام حياته، التي لا يستعيض في الدنيا منها (?) فيما لا ضرورة به إليه ولا كثير حاجة تدعوه نحوه.