لئن كان تركها تارك لقد أخذ بها من هو فوقه أو مثله، وما ضر الحديث الصحيح من تركه، بل تاركه هو المحروم حظ الأخذ به، فإما مخطئ مأجور في اجتهاده، وإما عاص لله تعالى في تقليده في ترك السنة.
وأما قولهم: وسكت عنها الصحابة والتابعون والعلماء الماضون. فقد كذبوا على الصحابة والتابعين، وعلى العلماء الماضين، ونسبوا إليهم الباطل، وكيف سكتوا عنها وهم رووها ونقلوها وأقاموا بها الحجة على من بعدهم كالذي يلزمهم.
وأما قولهم: ومخالفة أحكام قد حكم بها السلف الصالح: ما خالفوا قط حكماً صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغن كان واحد منهم أو اثنان خالفوا بعض ذلك، فقد وافقه غير المخالف ممن هو ربما فوق المخالف له أو مثله، والحجة كلها هي القرآن والسنة لا ترك تارك ولا أخذ آخذ، والحق حق أخذ به أو ترك، والباطل باطل أخذ به أو ترك، وما عدا هذا فهذر وهذيان، وبالله تعالى التوفيق. وما نعلم أشد خلافاً لما حكم به الصحابة والتابعون [178/أ] منهم - كم قصة في الموطأ خاصة لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وغيرهم رضي الله عنهم خالفوها!! فمن السلف الصالح إلا هؤلاء لو عقلوا ونعوذ بالله من الخذلان والجبن.
9 - ثم قالوا: " ثم رأوا تصنيفاً وتمثيلاً واشتقاقاً وتعريفاً ونتائج تلزم المرء على سبيل طريق الاحتجاج، وظاهر القول مما يحكمه البيان، وينطلق به اللسان وتصوبه اللغة وتقيمه (?) [الحجة] وتصرفه الألحان من الكلام والأفانين من النحو وتحبير المعاني باللفظ وإشعارها بالحس وتنبيهها بالجرس، فأنكروا (?) ذلك وفروا عنه، إذ (?) لم يكن ذلك طريقة من مضى ولا سنن [من به] يقتدى، فوقع النفار في النفوس، وجعلوا ذلك كله بدعة وحدوث شرع، وزيادة وتنميقاً أحدثوه (?) أصحاب الكلام، وأهل البدعة ".
فالجواب - وبالله تعالى التوفيق -: إن في هذا الكلام عبرة لمن اعتبر، فأول ذلك إقرارهم لنا بأنهم رأوا لنا تصنيفاً وتعريفاً (?) ونتائج تلزم المرء على طريق الاحتجاج