سليمان بن الناصر مع البربر، فحاربه بقية يومه والليلة المُقبلة، وصبيحة اليوم الثاني، وقام عليه عامة أهل قرطبة مع محمد بن هشام، فانهزم البربر، وأُسر هشام بن سليمان، فأُتي [به] إلى المهدي فضرب عُنقه. واجتمع البربر عند ذلك فقدموا على أنفسهم سليمان بن الحكم بن سليمان [بن] الناصر ابن أخي هشام القائم المذكور، ونهض بهم إلى الثغر، فاستجاش بالنصارى وأتى بهم إلى باب قُرطبة، وبرز إليه جماعة أهل قرطبة، فلم تكن إلا ساعة حتى قتل من أهل قُرطبة نيف على عشرين ألف رجل في جبل هناك يعرف بجبل قنطيش، وهي الوقعة المشهورة، ذهب فيها من الخيار وأئمة المساجد والمؤذنين خلق عظيم، واستتر محمد بن هشام المهدي أياماً ثم لحق بطُلَيْطُلَة، وكانت الثغور كلها من طُرْطُوشة إلى الأشبونة باقيةً على طاعته ودعوته، فاستجاش بالأفرنج، وأتى بهم إلى قرطبة، فبرز إليه سليمان بن الحكم مع البربر إلى موضع بقرب قرطبة على نحو بضعة عشر ميلاً يُدعى عقبة البقر، فانهزم سليمان والبربر، واستولى المهدي على قرطبة، ثم خرج بعد أيام إلى قتال جُمهور البربر، وكانوا قد صاروا بالجزيرة فالتقوا بوادي آرُ، فكانت الهزيمة على محمد بن هشام، وانصرف إلى قرطبة فوثب عليه العبيد مع واضح الصقلبي، فقتلوه وصرفوا هشاماً المؤيد كما ذكرنا قبل، فكانت مدة ولاية محمد المهدي مذ قام إلى أن قتل ستة عشر شهراً من جملتها الستة الأشهر التي كان فيها سليمان بقرطبة، وكان هو بالثغر؛ وكان يكنى أبا الوليد، أمه أم ولد تسمى مُزنة، وكان له ولد اسمه عبيد الله، انقرض ولا عقب للمهدي، وكان مولد المهدي في سنة ست وستين وثلاثمائة.
قام سليمان بن الحكم كما ذكرنا يوم الجمعة لست خلون من شوال سنة تسع وتسعين وثلاثمائة وتلقب بالمستعين بالله، ثم دخل قرطبة كما ذكرنا في ربيع الآخر سنة أربعمائة، وتلقب حينئذ بالظافر بحول الله مضافاً إلى المستعين، ثم خرج عنها في شوال سنة أربعمائة فلم يزل يجول بعساكر البربر في بلاد الأندلس، يفسد وينهب ويقفر المدائن والقُرَى بالسيف والغارة، لا تُبقي البربر معه على صغير ولا كبير ولا امرأة، إلى أن دخل قرطبة في صدر شوال سنة ثلاث وأربعمائة. وكان من جملة جُنده رجلان من وَلَد الحسن بن علي بن أبي طالب، يُسَمَّيان القاسم وعليا ابني حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمرو بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقودهما على المغاربة ثم ولَّى