- 5 -
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى أصحابه الأكرمين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته الفاضلين الطيبين.
1 - أما بعد يا أخي يا أبا بكر (?) سلام عليك، سلام أخ مشوق طالت بينه وبينك الأميال والفراسخ، وكثرت الأيام والليالي، ثم لقيك في حال سفرٍ ونقلة، ووادَّكَ في خلال جولةٍ ورحلة، فلم يقضِ من مجاورتك أرباً، ولا بلغ في محاورتك مطلباً. وإني لما احتللت بك، وجالت يدي في مكنون كتبك، ومضمون دواوينك، لمحت عيني في تضاعيفها درجاً فتأملته، فإذا فيه خطاب لبعض الكتّاب من مصاقبينا في الدار، أهل إفريقية، ثم ممن ضمته حضرة قيروانهم، إلى رجل أندلسي لم يعينه باسمه، ولا ذكر بنسبه (?) ، يذكر له فيها أن علماءَ بلدنا بالأندلس، وإن كانوا على الذروة العليا من التمكن بأفانين العلوم، وفي الغاية القصوى من التحكم على وجوه المعارف، فإن هِمَمَهم قد قَصَّرتْ عن تخليد مآثر بلدهم، ومكارم ملوكهم، ومحاسن فقهائهم، ومناقب قضاتهم، ومفاخر كتابهم، وفضائل علمائهم، ثم تعدَّى ذلك إلى أن أخلى أرباب العلوم منا من أن يكون لهم تأليف يحيي ذكرهم، ويبقي علمهم، بل قطع على أن كل واحد منهم قد مات فدفن علمه معه، وحقق ظنه في ذلك، واستدل على صحته عند نفسه، بأن شيئاً من هذه التآليف لو كان منّا موجوداً لكان إليهم منقولاً،