رسائل ابن حزم (صفحة 468)

من هذا المنهج، وكذلك رسائل أخرى من مثل رسالته في القراءات وأسماء الصحابة الرواة وأصحاب الفتيا من الصحابة (?) . وإذا كانت هذه الرسائل تخدم الناحية التعليمية في الغاية إذ تقرب المادة وتوجزها، فهي من حيث المنهج تخضع للاتجاه العقلاني لدى ابن حزم الذي يستطيع أن يستخدم هذه الإحصاءات استخداماً رياضياً برهانياً في ما يعالجه من قضايا عند الحاجة إليها.

من ذلك مثلاً موقفه ممن قال إن المسلمين لم يبايعوا علياً بعد وفاة الرسول لأنه كان قد قتل عدداً من رجالات قريش، فانحرف الناس عنه، ويرد ابن حزم بأن هذا تمويه ضعيف لأن الإحصاء يفنده، فالذين قتلهم عليّ:

1 - رجل واحد من بني عامر بن لؤي هو عمرو بن ود.

2 - رجال من بني مخزوم وبني عبد الدار (لم يذكر ابن حزم عددهم) .

3 - اثنان من بني عبد شمس هما الوليد بن عتبة والعاص بن سهل بن العاص (وقد شارك في قتل ثالث) .

هذا كل ما هنالك، ولم يقتل من بني تميم (قبيلة أبي بكر) ولا من بني عدي (قبيلة عمر) أحداً، وهما قد استبعداه من الخلافة، ولم يقتل من الأنصار أحداً (فلم يسرعوا إلى بيعته إن كان النص قد جاء بها) ولم يقتل أحداً من ربيعة ومضر واليمن وقضاعة (فلم لم تبايعه هذه القبائل وبايعت أبا بكر) (?) ، وهكذا يحاول ابن حزم - على قاعدة إحصائية - أن يدفع قول من قال: إن القرشيين كانوا منحرفين عن عليّ لأنه قتل عدداً من رجالهم في حروبه مع النبي؛ ولست أقول أن هذا الجدال القائم على الإحصاءات دامغ لا ينقض، بل إن ابن حزم يعرف ذلك، فيورد حججاً أخرى تؤيد البرهان الإحصائي وتعضده، ولكنه قلما يستغني عن " لغة الأرقام " لأنها رصيد ضروري مسعف عند الحاجة إليه، وإذا كان ذلك الرصيد قد يبرز بعض العجائب والنوادر في مجرى التاريخ الإنساني، فذلك في ذاته لا يمثل إلا جانباً واحداً من فوائد الإحصاء بين جوانب أخرى متعددة.

وفي أسلوب ابن حزم خاصيتان تلقيان ظلالاً من الشكّ على دور المؤرخ لديه: إحداهما هي القطع والحسم البات بمثل " لا بد " و " لا شك " فهذه إذا لم يكن لها ما يسوغها تمس جانب الدقة في المؤرخ، والثانية هي الحدة في الخطاب وهي تمس جانب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015