14 - باب ذكر أشياء عدها قوم براهين وهي فاسدة وبيان خطأ من عدها برهاناً
فمن ذلك شيء سماه الأوائل " الاستقراء " وسماه أهل ملتنا " القياس " فنقول وبالله تعالى التوفيق: إن معنى هذا اللفظ هو أن تتبع بفكرك أشياء موجودات يجمعها نوع واحد أو جنس واحد، أو يحكم فيها بحكم واحد، فتجد في كل شخص من أشخاص ذلك النوع أو في كل نوع من أنواع ذلك الجنس صفة قد لازمت كل شخص مما تحت النوع أو كل نوع تحت الجنس أو كل واحد من المحكوم فيهم، إلا أنه ليس وجود تلك الصفة مما يقتضي العقل وجودها في كل ما وجدت فيه، ولا تقتضيه طبيعة ذلك الموصوف فيكون حكمه لو اقتضته طبيعته أن تكون تلك الصفة فيه ولا بد، بل قد يتوهم وجود شيء من ذلك النوع خالياً من تلك الصفة. وكذلك أيضاً لم يأت لفظ في الحكم بأنه ملازم لكل شيء مما فيه تلك الصفة فيقطع قوم من أجل ما ذكرنا على أن كل أشخاص ذلك النوع، وإن غابت عنهم، ففيها تلك الصفة وأن كل ما فيه تلك الصفة من الأشياء فمحكوم (?) فيه بذلك الحكم. ولعمري لو قدرنا على تقصي جميع (?) الأشخاص أولها عن آخرها حتى نحيط علماً بأنه لم يشذ عنا منها واحد، فوجدنا هذه (?) الصفة عامة لجميعها، لوجب أن نقضي بعمومها لها، وكذلك لو وجدنا الأحكام منصوصة على كل شيء فيه تلك الصفة لقطعنا أنها لازمة (?) لكل ما فيه تلك الصفة، فأما ونحن لا نقدر على استيعاب ذلك ولا نجده أيضاً في الحكم منصوصاً على كل ما فيه تلك الصفة، فهذا تكهن من المتحكم به وتخرص وتسهل في الكذب وقضاء بغير علم وغرور للناس ولنفسه أولاً التي نصيحتها عليه أوجب. ونمثل لذلك مثالاً عيانياً فنقول، وبالله تعالى التوفيق (?) :
وصف الموصوف بالصفة ينقسم قسمين: أحدهما صفة لا بد للموصوف منها (?)